حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,24 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 4824

البصمة المالية للسياسة النقدية

البصمة المالية للسياسة النقدية

البصمة المالية للسياسة النقدية

10-12-2023 08:50 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. عدلي قندح
تترك السياسة النقدية، التي يديرها البنك المركزي، بصمة مالية عميقة على المشهد الاقتصادي، وتظهر هذه البصمة بشكل خاص عندما يقرر البنك المركزي رفع أسعار الفائدة.

عندما يضطر البنك المركزي رفع أسعار الفائدة بغرض محاربة التضخم تشهد تكلفة الاقتراض للحكومة ارتفاعًا بسبب ارتفاع أسعار الفائدة السوقية. يعني هذا الارتفاع في أسعار الفائدة أن الحكومة ستضطر إلى تخصيص مزيد من الموارد لخدمة ديونها، مما يولد عجزًا ماليًا أكبر. فما هو الوضع في الاردن من خلال قراءة أرقام مشروع موازنة عام 2024 مقارنة مع موازنة 2023.

تشير بيانات مشروع موازنة 2024 التي أقرتها الحكومة قبل أيام ورفعتها الى البرلمان لمناقشتها واقرارها، الى أن هناك نمواً كبيراً وملحوضاً في بند فوائد الدين العام الظاهر في جانب النفقات الجارية للموازنة بلغت نسبته 25.6% عام 2024 مقارنة مع موازنة عام 2023، حيث نمت فوائد الدين العام من 1577 مليون دينار عام 2023 الى 1980 مليون دينار في مشروع موازنة عام 2024. وهذا ناجم بشكل أساسي عن نمو حجم الدين العام وارتفاع معدلات الفائدة على الدين العام خلال السنتين الاخيرتين 2022 و2023 بسبب رفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة والتي انعكست على أسعار الفائدة السوقية المحلية والخارجية. فقد ارتفعت أعباء فوائد الدين على الموازنة العامة بقيمة 403 مليون دينار عام 2024 مقارنة مع عام 2023 وهذا يعادل 3.3% من حجم الموازنة العامة للعام 2024. وكان بالامكان أن يتم تخصيص هذا المبلغ لاغراض المشاريع الرأسمالية أو لدعم الجامعات الحكومية على سبيل المثال، والتي تحتاج مبالغ ضخمة لاعادة بناء البنية التحتية لها.

علاوة على ذلك فقد ارتفع العجز في الموازنة العامة بنسبة 11.1% وفقا لمشروع موازنة 2024 مقارنة مع موازنة 2023، او بما قيمته 206.2 مليون دينار.

من الناحية العملية، تواجه الحكومة عدة خيارات لتغطية العجز المالي الناجم عن ارتفاع تكاليف الاقتراض، كل منها يترك بصمته الخاصة على الاقتصاد. أحد السبل هو رفع الضرائب، والذي لم تلجأ اليه الحكومة بشكل مباشر. ومن المعلوم أن هذا الخيار يمكن أن يعيق الإنفاق الاستهلاكي للمستهلكين واستثمارات الشركات، مما قد يضر بالنمو الاقتصادي. بدلاً من ذلك، قد تختار الحكومة خفض الإنفاق، وهذا الخيار قد يعيق الخدمات العامة وتطوير البنية التحتية. وقد انعكس ذلك بالارقام على الارتفاع الطفيف للنفقات الرأسمالية بقيمة 138 مليون دينار فقط او ما نسبته 8.7%.

هناك آلية أخرى للتخفيف من عبء الدين العام وهي الاعتماد على التضخم، حيث يمكن للحكومات أن تتجه إلى السماح بمستوى مراقب من التضخم لتآكل القيمة الحقيقية للدين. ومع ذلك، يأتي ذلك بمخاطر تأثير استقرار الأسعار وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين، ونظرا لأن الهدف العام للسياسة الحكومية يجب أن يتوافق مع هدف البنك المركزي في مكافحة التضخم فلم تلجأ الحكومة لآلية التضخم وبالعكس فقط قامت الحكومة بامتصاص جزء من الارتفاعات في الاسعار في الفترة الأولى من عام 2022 للتخفيف على المواطنين عندما تحملت تكلفة الارتفاعات في أسعار المشتقات النفطية لعدة أشهر. من الواضح أن السيناريو الذي تم اختياره هو أن يتم تمويل العجز المالي من خلال تأجيل العبء إلى المستقبل، متراكمًا دينًا على الأجيال القادمة.

نصل إلى نتيجة فحواها أن الآثار الهائلة لرفع أسعار الفائدة ترتبط بشكل معقد بمتى وكيف تقوم الحكومة بتعويض هذا العجز المالي، فيمكن أن تخفف التدابير المالية الفعّالة والمناسبة من التأثيرات السلبية، في حين قد تزيد تأخيرات الاستجابة الحكومية من تحديات الاقتصاد الكلي.

في الختام، تكون بصمات السياسة النقدية المالية معقدة وتمتد بعيدًا. لذا، فان فهم الديناميات المترابطة بين رفع أسعار الفائدة واستجابات الحكومة المالية، وتأثيراتها المتنوعة على الأسر، أمر ضروري لصانعي السياسات لمواجهة تعقيدات إدارة الاقتصاد. القرارات المتخذة في أعقاب تعديلات أسعار الفائدة قد تترك بصمات دائمة على الرفاهية المالية للدول ومواطنيها، مما يبرز الاتزان الدقيق المطلوب في توجيه مسار السياستين المالية والنقدية.

في نهاية المطاف، تضحد البصمة المالية للسياسة النقدية المفهوم الخاطئ والذي قد يكون منتشراً لدى البعض، والمتمثل بالرأي القائل أن السياسة النقدية يمكن فصلها عن سياسة المالية العامة. فكل تحرك من قبل البنك المركزي يترك أثرًا على الأسواق المالية وبالتالي على الاقتصاد ككل. ومن المهم أن يتخذ صانعو السياسات في اعتبارهم هذه البصمة عند اتخاذ قراراتهم لضمان التوازن والاستقرار في النظام المالي والاقتصادي.








طباعة
  • المشاهدات: 4824
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
10-12-2023 08:50 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم