13-12-2023 09:53 AM
بقلم : د.نشأت العزب
لابد لكل عقل و فكر سليم عند سماع خطابات جلالة الملكة رانيا العبدالله أن يدرك عمق و أهمية ما تتحدث عنه، ففي العديد من المؤتمرات و الندوات العالمية المهمة تؤكد الملكة على الركيزة الأساسية و التي ينطلق منها القانون الدولي و هي أن جميع الناس يولدون متساوين في الحقوق و الكرامة و لكل فردٍ الحق في الحياة و الحرية و سلامة الشخص، فهذه المبادىء و القوانين هي التي أقرها العالم أجمع و اتفق على حمايتها ليضمن ديمومية سير المسيرة الإنسانية من دون أن يكون أي صراع في أي بقعة على سطح كوكبنا الأم الأرض بؤرة تتسبب في فقدان الأمن و السلام في أماكن أخرى، فالتطور الرقمي و الصناعي جعل من العالم قرية صغيرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، و لأن لكل شيء جانبه المضيء و المظلم وجب على جميع العالم إدراك بأن أي صراع يحدث في الشرق قد يهدد السلم في مكان أخر، و عند تطبيق قوانين الأمم المتحدة من دون إزدواجية في المعايير بناء على العرق، اللون او المعتقد فإن دول العالم لا تقدم خدمة للإنسانية فقط بل لأنفسها أيضاً، فمن غير الممكن العيش في رفاه و سلم اجتماعي في مكان دون الأخر في هذا العالم، و من غير المنطقي بناء مجتمعات صحيه و سليمة على انقاض و آلام مجتمعات أخرى، فحقيقة أن العالم أصبح قرية صغيرة تحتم على جميع الدول الحرص على تحقيق العدل و السلام الشامل في العالم أجمع.
توجه جلالة الملكة خطابها للعالم موجهة أسئلة تخاطب الضمير و العقل الإنساني بصيغة تجعل المستمع على أقرب مسافة من الحدث، تسأل جلالتها ماذا عسى العالم أن يجيب على طفلة قتل جميع أفراد عائلتها ، ماذا يمكن أن نقول لأم ترى أطفالها يرتعبون و يرتجفون و يعانون الصدمات من هول ما يشاهدون و يعيشون ، كيف يمكن أن نجعل هؤلاء الأطفال و النساء و المجتمعات يؤمنون بأنهم متساوين في الحقوق مع باقي مجتمعات و شعوب العالم ، كيف يمكن أن نجعلهم يؤمنون بأنهم جزء من الإنسانية و ليسوا مجرد أرقام أو أن حياتهم غير مهمة و موتهم لا يحتسب و أن اطفالهم يحق لهم العيش و الحرية كباقي أطفال العالم، فبهذه الأسئلة تضع جلالتها الرأي العالمي أمام حقيقة الواقع الذي يعيشه الأطفال و النساء و المواطنين العزل في مناطق الصراع ، تضعهم أمام حقيقة أنه لحفظ الأمن و السلم في العالم أجمع فمن الضروري العمل على فتح جميع المعابر للسماح بمرور مستمر للمساعدات و العمل الجدي على وقف إطلاق النار و حماية المدنيين العزل، و تؤكد جلالتها أن الأطفال و أمهاتهم و ابائهم ليسوا خسائر ضمنية، و تؤكد أيضاً على أن حياتهم و حقوقهم مهمة كحال سائر أطفال العالم فبذلك فقط يمكننا أن نحافظ على إنسانيتنا و لا ننتقص منها.
تتحدث جلالتها من مشاعر حقيقة بكونها أم، تتحدث مخاطبة العالم بلغة الإنسانية، فبصرف النظر عن أصولنا و معتقداتنا فلا يمكن قبول المشاهد التي نراها كل يوم في غزة، تحدث جلالتها العالم بالواقع المرير الذي يحدث بشكل يومي هناك ، تحدثهم كيف تواجه الأمهات هناك خطر فقد أطفالهم و تذكرهم أن أمهات و أطفال غزة حالهم كحال كل أمهات و أطفال العالم يرون المستقبل و الأمل في أطفالهم و يحبونهم كما تحب أي أم أطفالهم و تحرص على سلامتهم، تخبر جلالتها العالم بحجم الصدمة و الإحباط من ردة فعل العالم لهذه الكارثة الإنسانية التي يملأ التعامل معها الصمت و الازدواجية في المعايير بشكل صارخ، فعدم المطالبة بوقف إطلاق النار حتى يجعل العالم متورطاً في هذه الكارثة الإنسانية.
تخاطب جلالة الملكة رانيا العبدالله العالم بأن موقف الأردن الأخلاقي و المعنوي هو إدانة قتل أي مدني بغض النظر عن أي معايير سوى المعيار الإنساني و الأخلاقي، و ذكّرت جلالتها بمواقف جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين في العمل على حماية الحقوق الإنسانية و التذكير بها بكافة المناسبات العالمية، وخطابات جلالة الملك عبدالله الثاني كانت دوماً تحرص على تذكير العالم بعدم المساس بالنساء و الأطفال و كبار السن و عدم التعرض لدور العبادة و المدنيين العزل، و في حال كان هناك ضرور للأعمال العسكرية فمن المهم الالتزام بقواعد الاشتباك و بمواثيق و عهود الجمعية العامة للأمم المتحدة و كما نص بذلك قانونها.
واجهت جلالة الملكة الحديث الإعلامي الغربي بالحقيقة الإنسانية و تحملت الانتقاد في سبيل إيصال الواقع الإنساني المرير في غزة مدركة جلالتها أثره على المنطقة و العالم، فكيف لدولة تقوم بحرب يقع ضحيتها الأبرياء جلهم من النساء و الأطفال أن تحفظ أمنها و إستقرار شعبها، كيف يمكن أن ننعم بسلام شامل و عادل في ضل هذا السلوك الهمجي الذي لا يحقق سوى مزيداً من الكراهية و يوسع بؤرة النزاع و يجعل شعوب الأطراف المشاركة فيه في حالة عدم إستقرار و فقدان للشعور بالأمان.
يأتي موقف جلالة الملكة المشرف مكملاً لموقف جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم و ولي عهده الأمين الداعي لضرورة الوقف العاجل للحرب و ضرورة ايصال المساعدات و اعادة الحياة للمواطنين العزل الذي عانوا ويلات هذه الحرب و فقدوا عائلاتهم و ممتلكاتهم و أبسط حقوقهم، فقد كان موقف الأردن دوماً ممثلاً بقيادته الهاشمية داعياً لتحقيق السلام العادل والشامل الذي يضمن أمن المنطقة و استقرارها.
لا يمكننا إلا أن نتوجه بالشكر و العرفان لجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين و جلالة الملكة رانيا العبدالله على مواقفهم الراسخة و الثابتة في حماية الحقوق الإنسانية و تقديم كل الدعم الممكن في سبيل تحقيق السلام العادل و الشامل للمنطقة و العالم أجمع، السلام الذي يكفل لكافة الأطراف حقوقهم المنصوص عليها بالقانون الدولي، السلام العادل الذي يكفل حقوق جميع الأطراف و الذي به فقط يمكن أن تنعم منطقتنا به بالأمن و الاستقرار .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-12-2023 09:53 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |