20-12-2023 09:29 AM
بقلم : سارة طالب السهيل
في اليوم العالمي للغة العربية يجب أن نتذكر ونذكّر الأجيال القادمة أن لغتي هي هويتي وشخصيتي ورابطي الثقافي مع أهلي والمجتمع، وإذا ما فقدت هذه الرابطة، فإنني أفقد بوصلتي الحقيقية في الحياة.
وللأسف، فإننا قد تجاهلنا هذه الحقيقة لعقود طويلة في بلادنا العربية، حينما حرصنا على تعليم الأطفال بدءاً من مرحلة رياض الأطفال على اللغات الأجنبية على حساب لغتنا العربية الأصيلة اللغة المقدسة التي هي جوهر وجودنا على أرضنا الطاهرة، فصار الصغار يتحدثون الانجليزية والفرنسية بطلاقة ونحن نفرح بهم ونهلل على قدراتهم على التعبير بهذه اللغات الاجنبية في مقابل عدم الاعتناء بتعليم اللغة العربية الأم والمحضن.
لست ضد تعليم اللغات الأجنبية، ولكن بعد إتقان وتمكين اللغة العربية من الطفل والغوص في بحارها العميقة، ولكن تسابقت الأسر العربية على تعليم صغارها اللغات الأجنبية، ما أحدث فجوة ثقافية وهوة كبيرة بين هؤلاء الأطفال وباقي أفراد المجتمع، وباتوا يشعرون بالغربة عن أهلهم وأفراد مجتمعهم.
تخيلوا معي أولادكم والشعور بالغربة معهم ليس لأنه من جيل مختلف فهذا طبيعي، ولكن لأنه تشرب قيم وثقافة اللغات التي تغذى لسانه عليها ونطق بها وتعلم وفكر بها، فأصبحت الاسرة من داخلها غريبة عن بعضها وأدوات التواصل بينها ضعيفة لأقصى درجة.
إضافة الى المدارس كان هناك خطأ فادح عندما استعانت الأسر بالمربيات الأجنبيات اللواتي علمن أولادهن نطق اللغات الاجنبية، بينما باقي دولنا العربية تمادت في هذا الخطأ بالتوسع في انشاء المدراس التي لا تعلم اللغة العربية او تعلمها كمادة غريبة كمن يتعلم الإسبانية في فرنسا.
أكرر هنا أنني لست ضد تعليم اللغات الأجنبية، ذلك أن ما يفرضها معطيات عصرنا والانفتاح على الاخر و تطلبات العمل والتواصل عبر محطات الكون فكريا وثقافيا واقتصاديا والمشاركة بالمؤتمرات والندوات كما نحتاجها ايضا سياسيا و إعلاميا للتعريف بقضايانا، والقرية الكونية التي نعيش في كنفها، فلنتعلم اللغات كما قلت لكن ليس قبل ان نزرع لغتنا الأساسية و قيمنا و ثقافتنا في عقول الصغار و نرسخها، وكما قيل في الأثر » العلم في الصغر كالنقش على الحجر» أي أنه يثبت ولا يتزعزع، حتى لا تكون النتيجة ظهور أجيال منسلخة عن ثقافتها وجذورها ?لحضارية وقيمها الاجتماعية في مقابل انتماء هذه الاجيال إلى ثقافات لا تشبهنا التي تعلمها في صغره وشكلت فكره وعلاقاته وانتماءاته الثقافية والحضارية.
وهذا يعني اننا بأيدينا وبجهلنا وغفلتنا ساهمنا في تغريب أبنائنا عن لغتهم العربية وعن أوطانهم والانتماء لها من ناحية أخرى، فكثير من الأسر العربية انجرفت في تيار التباهي والمظاهر الاجتماعية الكاذبة على الأخرين بتعليم ابنائها اللغات وكأن هذا الأمر نوع من «البريستيج».
فكل الأمم تفتخر بلغاتها وتحافظ عليها حفاظها على أرضها ودينها لأنها تشكل هويتها وكيانها ووجودها حية نابضة بين الشعوب والأعراق، بينما نحن قد غفلنا في غمرة التحديث والجري وراء الغرب هذه الحقيقة ان الهوية واللغة وجهان لعملة واحدة فاذا سقط من وجه اختفت العملة.
وبالعودة لضعف اللغة العربية اليوم بين ابنائنا فهو نتاج طبيعي لتكريس اللغات الأجنبية واعطائها الاولوية في التعليم، وقد أدى هذا الضعف اللغوي لتعليم العربية إلى ذوبان الشخصية، وفقد الهوية، وضعف الصلة التي توحد الأمة وتشريعاتها، وتحقق لها استقلالها، وصمودها في مواجهة التحديات الدولية.
واحقاقا للحق، فان الاسر العربية لا تتحمل مسئولية اهمال لغتنا العربية والانتصار للغات الأجنبية عليها، وانما يتحملها كل الجهات المسئولة عن اصدار التراخيص للمحال التجارية و العلامات التجارية والمقاهي والشركات والمنتجات المصنعة في دولنا العربية تحمل اسماء أجنبية. فالشوارع العربية في معظمها تحمل لافتات باللغات الاجنبية وكذلك متاجرها ومنتجاتها.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
20-12-2023 09:29 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |