04-01-2024 08:09 AM
سرايا - بعد عام على رحيل محمد عناني، أستاذ الأدب الإنجليزي والترجمة بجامعة القاهرة وأحد أهم المترجمين في العالم العربي، ما زال إرثه في الترجمة والأدب أثقل من أن يوضع في الميزان ومن أن يتناوله المتخصصون بالنقد والتشريح، بحسب تعبير بعض تلاميذه.
ورغم أن أول كتبه "النقد التحليلي" الذي صدر عام 1963 قوبل بهجوم شديد من "أصحاب النقد الأيديولوجي"، حيث وجد نفسه "مصنفا" في معركة أدبية وفكرية بين دعاة "الفن للفن" في مقابل دعاة "الفن للمجتمع"، فإن إرثه يشغل الآن منطقة أبعد بكثير من سهام النقد العنيف.
وتقول أستاذة النقد والأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة لبنى عبد التواب يوسف إن "عناني كان أستاذا ومترجما وكاتبا وأكاديميا موسوعيا على نحو مبهر".
وتضيف الأستاذة "لما كان يلقي محاضرة، ويستشهد بفلاسفة وكتاب وأدباء، كان يفعل ذلك بدون أن يكون بيده كتاب، كان يستشهد بالعربية والإنجليزية وبمعلقات الأدب الحديث بلا مجهود، كان موسوعيا وأبهرنا في محاضراته أن يتذكر قصائد بلغات مختلفة بينها الفرنسية".
وعن أسلوب عناني في تحليل النصوص، تقول "كان في وجهة نظره تحليل النص أهم من البحث عن نظريات لتحليل النصوص، لم يدخل القاعة ليحدثنا عن البنيوية أو التفكيكية".
ولم يكن عناني ينظر للحياة والأدب من مرآة واحدة ولم يكن يؤمن بالتصنيفات الجامدة، بحسب تلامذته.
وتقول أستاذة النقد "طبعا الرومانسية والكلاسيكية والمدارس كانت موجودة عندما كنا طلابا.. لكنه كان يشرح لنا أنه لا توجد رومانسية ولا كلاسيكية بحتة، فكان يطلب أن نبحث عن خصائص الرومانسية عند الرومانسيين والرومانسية عند الكلاسيكيين أيضا".
خلال 6 عقود تقريبا بين كتابه الأول في ستينيات القرن الـ20 ووفاته في العام الماضي، شهد العالم ثورات هائلة في مجالات الاتصال والانفتاح والعولمة، وكان عناني، بحسب الدكتور خالد توفيق أستاذ الترجمة واللغويات بجامعة القاهرة، سباقا إلى ترجمة كثير من المصطلحات الحديثة التي ولدت من رحم التقلبات العنيفة التي اجتاحت العالم.
يقول توفيق "ألف عناني كتابا اسمه المصطلحات الأدبية، كلها تقريبا ترجماته الشخصية. وكان له كتاب آخر اسمه "تنويعات المفارقة" يتحدث فيه عن أنواع المفارقة وترجماتها. وفي الترجمات الأدبية كان سباقا في ترجمات أعمال كثيرة".
ويضيف توفيق أن عناني دخل بقدمين ثابتتين في مساحة لم يستكشفها كثيرون قبله عندما قام بتعريب مبحث نظريات الترجمة، ويضيف أنه "ترجم النظريات للغة العربية وقربها وسهلها، ويسرها للمتلقي العربي.. ولم يتكلم أحد قبل عن نظريات الترجمة بهذه الطريقة باللغة العربية".
يقول الدكتور خالد توفيق إن تأثر عناني بلغة القرآن الكريم واضح بحيث لا تخطئه عين، وإن لغة القرآن تنساب بعذوبة في كل ترجمات عنان تقريبا.
ويضيف "يظهر جدا تأثره بلغة القرآن الكريم في كل ترجماته، فتشعر أن القرآن يدخل رقراقا في كل ترجماته لكل النصوص التي ترجمها تقريبا".
ويشير توفيق إلى أن عناني لم يكن مؤيدا للفصل بين دراسات الترجمة وبين ممارسة الترجمة أو تطبيقها.
وعلى الرغم من تأثر عناني بالقرآن الكريم وفهمه العميق لمعانيه، لم يخض قط تجربة ترجمة معانيه بشكل فردي، وتتفق الدكتورة لبنى مع الدكتور توفيق بشأن أهمية تعرض عناني لترجمة القرآن الكريم، إذ يعتقدان أنه كان الأقدر على نقل معانيه إلى الإنجليزية.
ترك محمد عناني -الذي لقب بشيخ المترجمين- إرثا هائلا وتنوعت كتاباته في المسرح والشعر، خصوصا والأدب والنقد عموما، ومن مؤلفاته بالعربية كتب "فن الكوميديا" و"في الأدب والحياة" و"قضايا الأدب الحديث" و"المصطلحات الأدبية الحديثة" في النقد واللغة، ومسرحيات "رحلة التنوير" بالاشتراك مع سمير سرحان و"ميت حلاوة" و"الدرويش والغازية" و"الغربان".
وكتب إلى جانب ذلك دواوين وقصصا شعرية منها "أصداء الصمت" و"طوق نجاة" و"حكاية معزة" و"زوجة أيوب"، ورواية وحيدة هي "الجزيرة الخضراء".
وفي مجال الترجمة، كان أهم ما يميز ترجمات عناني هو أنه أبرز نقاط الصعوبة في ترجمة شكسبير وهي ترجمة مستويات الحديث المختلفة، أو ترجمة الشعر شعرا والنثر نثرا، والتجأ أحيانا للغة عامية إذا ما عمد شكسبير إلى استخدام لغة عامية مثلما فعل في ترجمة "حلم ليلة صيف"، فكان يترجم حديث بعض الشخصيات إلى العامية المصرية، ويترجم حديث البعض الآخر ترجمة فصحى بليغة.
وترجم من العربية إلى الإنجليزي أعمال عميد الأدب العربي طه حسين، فبدأها بترجمة "الوعد الحق" إلى رواية "خطبة الشيخ"، وكان كتاب "على هامش السيرة" هو آخر ما ترجم عناني من أعمال عميد الأدب العربي.