07-01-2024 09:34 PM
بقلم : سعد فارس سعود القاضي
لم يخفى على أحد منذ اليوم الأول لبداية العدوان الإسرائيلي على غزة الموقف الأردني تجاه هذا العدوان، إذ أن المملكة الأردنية الهاشمية لم تتردد في بيانها الصادر يوم السابع من تشرين أول/ أكتوبر بالدعوة إلى خفض التصعيد وضبط النفس وحماية المدنيين واحترام القانون الدولي، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الأردن يدين ما حدث صبيحة السابع من تشرين أول/ أكتوبر. إذ أن المملكة قد حذرت من ردة الفعل هذه من قبل أن تقع بمدة طويلة نتيجة للسياسات والممارسات والإجراءات الصهيونية بقيادة الحكومة اليمينية المتطرفة، وسلوكيات وزرائها الاستفزازية والمتكررة دون وجود أي رادع لها.
لطالما كانت الدبلوماسية الوسيلة التي ينتهجها الأردن في شتى المناسبات لإظهار تضامنه مع القضية الفلسطينية، وتجلت الدبلوماسية الأردنية بعد السابع من تشرين أول/ أكتوبر، إذ لم تتوانى المملكة عن تقديم كل الجهود الدبلوماسية اللازمة في محاولة لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، إنطلاقًا من الجولة الأوروبية التي بدأها الملك عبدالله الثاني بن الحسين ووزير الخارجية أيمن الصفدي في نفس الأسبوع والتي أستهدفت عدد من العواصم الأوروبية محاولين بهذه الجولة حث المجتمع الدولي على وقف التصعيد نظرًا لما سنشهده من كوارث ضد الإنسانية نتيجة لهذا التصعيد وهو ما كان.
كما شارك الملك ووزير الخارجية في العديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية والإسلامية وأجروا العديد من الاتصالات مع عدد من زعماء العالم، بالإضافة إلى ظهور كل من الملكة رانيا العبدلله ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي على العديد من الفضائيات العالمية والإقليمية لتحشيد المجتمع الدولي، ووضعهم بالصورة لما يحدث في قطاع غزة من جرائم ضد الإنسانية، والإشارة الى الخروقات العديدة التي قامت بها إسرائيل للقانون الدولي في عدوانها على قطاع غزة، والقاء الضوء على محاولات إسرائيل الرامية إلى تهجير السكان إلى خارج القطاع من خلال القيام بإبادة جماعية وتطهير عرقي لسكان القطاع.
استمرارًا للجهود الدبلوماسية ساهمت المملكة الأردنية الهاشمية بتسجيل نصرًا دبلوماسيًا بعدما توجهت وباسم الدول العربية للأمم المتحدة، ونجحت باصدار مشروع قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلستها الاستثنائية بتاريخ 27 تشرين أول/ أكتوبر يدعو إلى وقف إطلاق النار، إذ حظي القرار بحفاوة من الدول الأعضاء وصوتت على القرار 120 دولة في المقابل وقف ضد القرار 14 دولة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وامتنعت 45 دولة عن التصويت أبرزها المملكة المتحدة.
وردًا على التعنت الإسرائيلي بالاستمرار بالحرب على القطاع، سارعت المملكة إلى وقف التوقيع على اتفاقية كان من المتوقع لها أن توقع مع إسرائيل في تشرين ثاني/ نوفمبر المنصرم تحت اسم "اتفاقية الماء مقابل الطاقة"، كذلك استدعت المملكة سفيرها في تل بيب احتجاجًا على استمرار الحرب وأعلنت المملكة موقفها من عدم عودة السفراء إلا بوقف الحرب على غزة، علاوة على ذلك وصف وزير الخارجية الأردني اتفاقية السلام بأنها ما هي إلا "وثيقة يغطيها التراب فوق أحد الرفوف".
بالإضافة إلى ما سلف فإن موقف الأردن من تهجير الفلسطينيين كان معلن وواضح منذ بداية الأحداث ولا يمكن التراجع عنه أو المساومة عليه، إذ أعلن رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة أن أي محاولة ترمي إلى تهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن هو بمثابة إعلان حرب، وهو ما يتوافق أيضًا مع تصريحات الملك عبدالله الثاني خلال زيارته لمصر ولقائه بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إذ أكد خلال اللقاء على أن الأردن يقف إلى جانب مصر ضد مسألة تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء، الأمر الذي أحبط بنهاية المطاف المساعي الصهيونية التي أُعلنت صراحةً لتهجير الغزيين إلى سيناء.
بالإضافة إلى الجهود الدبلوماسية فإن المملكة نجحت بادخال مساعدات طبية وانسانية متعددة للقطاع أبرزها ارسال مستشفى ميداني جديد، ومحاولات متعددة لكسر الحصار المفروض على القطاع من خلال إجراء عدة إنزالات جوية أبرزها الإنزال الجوي الأخير بالشراكة مع فرنسا مستغلة الاتفاقية الموقعة مع إسرائيل عام 2009 التي تتيح للأردن امكانية تزويد المستشفى الميداني بالمستلزمات التي يحتاجها وبالوسائل والطرق التي تراها مناسبة، كما قامت المملكة بارسال العديد من المساعدات الإنسانية من خلال معبر رفح من الجانب المصري والتي أشرف على أحداها ولي عهد المملكة الأمير الحسين بن عبدالله ومعبر كرم أبو سالم عبر الضفة الغربية مرورًا بأراضي ال 48.
بالمجمل فإن المملكة الأردنية الهاشمية تقدم وتلعب دورًا هامًا في محاولة وقف إطلاق النار، وتحشيد المجتمع الدولي لوقف الممارسات الإسرائيلية بالطرق الدبلوماسية، أو حتى بالطرق القانونية من خلال تبني القضية التي قامت جنوب أفريقيا برفعها على إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وأن المملكة تحاول استغلال هذه الأحداث للفت نظر المجتمع الدولي إلى أهمية حل القضية الفلسطينية سلميًا، وإنهاء الإحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، والتأكيد دائمًا على أهمية أن يكون هنالك حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وأن إهمالها كما حدث في السنوات الأخيرة سيفضي دائمًا إلى نتائج مماثلة لما حدث في السابع من تشرين أول/ أكتوبر.
لكن بالمقابل فإن من المآخذ على الدبلوماسية الأردنية هو غيابها عن عملية المفاوضات بين الجانب الاسرائيلي والجانب الفلسطيني الممثل بحركة المقاومة الاسلامية (حماس) على عكس دول عربية أخرى، لكن يعزى هذا الأمر إلى أن الدول الأخرى إما تملك حدود جغرافية مع قطاع غزة كالجمهورية العربية المصرية مما يجعل وجودها في عملية المفاوضات مهم، أو أن الدولة تملك علاقات جيدة مع قادة حركة المقاومة كدولة قطر التي تحتضن في عاصمتها الدوحة المكتب السياسي لحركة المقاومة، لكن من المهم للمملكة أن تجد ما يعيدها إلى طاولة المفاوضات نظرًا لأهمية ومركزية القضية الفلسطينية لدى المملكة وانعكاساتها المهمة على مسألة الأمن القومي الأردني.