حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,25 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 7076

المترجمة والكاتبة العُمانية زوينة آل تويه: نستضيف ثقافات أخرى لفهم ذواتنا

المترجمة والكاتبة العُمانية زوينة آل تويه: نستضيف ثقافات أخرى لفهم ذواتنا

المترجمة والكاتبة العُمانية زوينة آل تويه: نستضيف ثقافات أخرى لفهم ذواتنا

09-01-2024 08:07 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - يمكن وصف المترجمين بأنهم الجنود المجهولون الذين كانت، وما تزال، لهم اليد الطولى في تغيير ذائقات وطبائع وحتى أفكار وحيوات الكثيرين من قرّائهم، إذ لا يُنكر أحد دور الترجمات الأدبية والثقافية من اللغات العالميّة إلى العربيّة في إحداث الفارق والتأثير ليس فقط لدى القراء، بل كذلك لدى الكُتّاب والمفكرين الناطقين بالعربيّة.

لذلك نحاول من خلال هذه المساحة، أن نلقي الضوء على جوانب عديدة من الترجمات وأعمال المترجمين، كإضاءة على تلك الجهود.

في هذه الحلقة نحاور المترجمة والكاتبة العُمانية زوينة آل تويه حول ترجمة الأدب المكتوب بالإنجليزيّة، اصطلاحاً، إلى اللغة العربية، ولأنه أدب ضخم وواسع وعريض، مكتوب في بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وإيرلندا.. إلخ.

لذلك خصصنا حواراً مع المترجم والكاتب السوري أسامة إسبر للحديث عن ترجمة الأدب الأميركي إلى العربية، بينما سنخصص هذه الحلقة والحوار عن الأدب المكتوب بالإنجليزية في باقي المناطق، وسنطلق عليه هنا ترجمة الأدب الإنجليزي إلى العربية لتقصير ما نبتغيه من أدب مكتوب بالإنجليزية في باقي الأماكن خارج الولايات المتحدة.

والكاتبة العمانيّة تحمل شهادة الماجستير في دراسات الترجمة من جامعة إدنبره، المملكة المتحدة، عام 2007. وصدرت لها العديد من الترجمات، منها رواية "هامنت" للكاتبة الأيرلندية البريطانية ماغي أوفارل (2022)، ورواية "عمدة كاستربردج" للكاتب الإنجليزي تومَس هاردي (2019)، ورواية "مائدة القط" للكاتب السريلانكي الكندي مايكل أونداتجي (2019)، ورواية "ما رأيكم في شكلي الآن؟" للكاتبة الفلسطينية الأسترالية رندة عبد الفتَّاح (2012).

وسيصدر من ترجماتها قريباً كتاب "شهرٌ في سيينَّا" للروائي الليبي البريطاني هشام مطر، الحائز على جائزة بوليتزر، للسيرة، لعام 2017، ورواية "الهدية الأخيرة" للروائي التنزاني البريطاني عبد الرزاق غرنة، الحائز على جائزة نوبل للآداب لعام 2021. وشاركت زوينة في العديد من ورش الترجمة وتحرير الكتب المترجمة من الإنجليزية، في القاهرة وأبو ظبي والشارقة، منذ عام 2010. والإشراف على مختبر الترجمة في مؤسسة بيت الزبير بين عامي 2018 و 2020. ولزوينة آل تويه مجموعة قصصية بعنوان "المرأة الواقفة تجلس" كتاب مجلة نزوى، وصدرت عام 2005، فإلى الحوار:

غنيٌّ عن البيان أنَّ آداب العالم كلها جديرة بالاهتمام والبحث والترجمة، فهي تروي قصة الإنسان في كل مكان وزمان، والترجمة من أمثل الوسائل لنقل قصص الشعوب وآدابها وفنونها وثقافاتها بين اللغات المختلفة.

وإذا أردنا تخصيص الحديث عن الأدب المكتوب بالإنجليزية فإننا لا نقصره على إنجلترا وحدها، وإنما نقصد به أيضًا ما يُكتَب في أيرلندا وأسكتلندا وويلز وكندا وأميركا وأستراليا ونيوزيلندا، ويشمل ذلك حِقَبًا تاريخية مختلفة. أرى أن هذا الأدب يشكِّل مخزونًا ثريًّا للترجمة، ليس فقط لأنه عرَّفنا بكُتَّاب من أمثال شكسبير (ولد عام 1564 وتوفي عام 1616) وجون ملتن (1608- 1674) واللورد بايرن (1788- 1824) وجيمس جويس (1882- 1941) وجورج أورويل (1903- 1950) وفرجينيا وولف (1882- 1941) وأوسكار وايلد (1854- 1900) وكثيرين غيرهم، بل لأنه أيضًا يجمع أعراقًا وثقافات سخيَّة التنوع أتت بها رياح الاستعمار والمنفى والهجرة والشَّتات.

عندما نترجم هذا الأدب المتنوِّع إلى العربية فإننا نستضيف في ثقافتنا ثقافات أخرى تتيح لنا فهم ذواتنا من خلال فهم الآخر ورؤيته من زوايا مختلفة

من خلال هذا الأدب عرفنا كُتَّابًا من أصول مختلفة كتبوا بالإنجليزية مثل جوزيف كونراد (1857- 1924) وتشينوا أتشيبي (1930- 2013) وكازو إيشيغورو (1954) ومايكل أونداتجي (1943) وعبد الرزاق قرنح (1948) وهشام مطر (1970) وسواهم. وهنا أيضًا تكمن أهمية ترجمة الأدب المكتوب بالإنجليزية، إذ ينقله إلينا كُتَّاب خَبَروا صراع الهُوِيَّة والوجود بين ثقافتين ولغتين. نجد أن الأدب الإنجليزي نفسه قد اغتنى بهذه الثقافات واتسع مداه، ومن ثم أصبحت حاجة ترجمته إلى لغات أخرى مُلِحَّة.

عندما نترجم هذا الأدب المتنوِّع إلى العربية، فإننا نستضيف في ثقافتنا ثقافات أخرى تتيح لنا فهم ذواتنا من خلال فهم الآخر ورؤيته من زوايا مختلفة.

حين يقرأ القارئ العربي كاتبًا يكتب بالإنجليزية، وهو من أصول أفريقية أو آسيوية أو حتى عربية، فهو لا يقرأ أدبًا مترجمًا من الإنجليزية فحسب، بل يطالع أيضًا ثقافة بعينها تحمله إلى بلاد أخرى وزمان آخر حتى ليحسب أن هذا الأدب إنما تُرجِم من لغته الأصلية وليس من اللغة الإنجليزية، وأن الكاتب كتبه بلغة أسلافه لا بالإنجليزية التي اتخذها لغة عيش وكتابة.

نعرف أن العصر العباسي الأول كان عصرًا ذهبيًّا شهد ازدهارًا في ترجمة الأدب والمنطق والفلسفة والطب والعلوم من طائفة من اللغات، كاليونانية والسريانية والفارسية والهندية وغيرها. لكننا في العصر الحديث تأخرنا في ترجمة الأدب من الإنجليزية واللغات الأخرى بسبب الاحتلال الذي رزحت الدول العربية تحت وطأته دهرًا.

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن أحوج إلى نقل علومنا وآدابنا إلى اللغات الأخرى، وذلك لتبديد سوء الفهم المهيمن في عالمٍ تحكمه وتحدِّد ملامحه وثقافته وما ينبغي أن يُعرَف وما ينبغي أن يُجهَل فيه قوى استعماريةٌ عظمى

ولعل أوضح بداية شهدتها الترجمة الحديثة عمومًا كانت في القرن الـ19 بمصر في عهد محمد علي باشا، مؤسِّس مصر الحديثة، الذي اهتم كثيرًا بالتعليم والعمران والزراعة والصناعة، وازدهرت الترجمة الأدبية إلى العربية في عصره. إلَّا أن التأخر الأفدح في الترجمة حتى يومنا هذا يتضح أكثر في الترجمة من العربية إلى الإنجليزية وغيرها من اللغات، في الأدب والمجالات الأخرى سواءٌ.

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن أحوج إلى نقل علومنا وآدابنا إلى اللغات الأخرى، وذلك لتبديد سوء الفهم المهيمن في عالمٍ تحكمه وتحدِّد ملامحه وثقافته وما ينبغي أن يُعرَف وما ينبغي أن يُجهَل فيه قوى استعماريةٌ عظمى.

الصحافة العربية وأغلب الكتب المنشورة والمترجمة بالعربية اليوم تعاني آفة الأخطاء الشائعة. المترجمون العرب الأوائل كانوا مثالًا على الرصانة والتمكن والعمل الدؤوب

عندما نستحضر روائع الأدب الإنجليزي المترجمة إلى العربية تبرز أسماء كبار المترجمين الذين أفنوا حياتهم في الترجمة مثل منير البعلبكي وجبرا إبراهيم جبرا وإحسان عباس ومحمد عناني وغيرهم. هؤلاء مدرسة نادرة في العربية الفصيحة وبلاغة اللسان وتمكُّنه من لغته الأم وليس من اللغة الأخرى فقط، ونأيه عما غدا اليوم أخطاء شائعة طالت أساليب العربية واستعمالاتها وأضعفتها وأخضعتها لتأثير الإنجليزية وغيرها.


إن الصحافة العربية وأغلب الكتب المنشورة والمترجمة بالعربية اليوم تعاني آفة الأخطاء الشائعة. المترجمون العرب الأوائل كانوا مثالًا على الرصانة والتمكن والعمل الدؤوب، بيد أن جُلَّ ما ترجموه اقتصر على أشهر الأعمال، وهناك أعمال كلاسيكية كثيرة لم تُترجم بعد.

لعل غلبة ترجمة الرواية تعود في مجملها إلى سيادة هذا النوع الأدبي أكثر من غيره في مختلف اللغات، وقد تشير إلى تراجع أهمية أنواع أجناس الأدب الأخرى أو تراجع جودتها. إلا أن اختيارات دور النشر والمترجمين لها تأثير في ذلك أيضًا.

ترجمة الرواية مهيمنة أكثر من ترجمة الشعر والمسرح وحتى القصة القصيرة، وذلك مردُّه إلى غياب نهج واضح وتأسيس ثابت لرصد وتحديد ما يجدر اختياره وترجمته من أي نوع أدبي، إذ إن أغلب ما يُترجَم إلى العربية إمَّا أنه يُترجَم بجهود فردية وإمَّا باختيار دور النشر

في سياق الترجمة في العالم العربي، فإن ترجمة الرواية مهيمنة أكثر من ترجمة الشعر والمسرح وحتى القصة القصيرة، وذلك مردُّه إلى غياب نهج واضح وتأسيس ثابت لرصد وتحديد ما يجدر اختياره وترجمته من أي نوع أدبي، إذ إن أغلب ما يُترجَم إلى العربية إمَّا أنه يُترجَم بجهود فردية وإمَّا باختيار دور النشر، فلا عجب أن نشهد تخبُّطًا في اختيار الأعمال للترجمة. ويحدث كثيرًا أن يُترجَم عمل أدبي أكثر من مرة دون تنسيق أو دراسة لمدى أهمية إعادة ترجمة العمل نفسه، في حين تُغفَل ترجمة أعمال أخرى مهمة.

حصل الكثير من الكتاب الذين يكتبون بالإنجليزية على جوائز عالمية، ومنها نوبل للأدب، وهو أدب واسع وضخم، ومع ذلك هناك بطء في الترجمة للعربية. إذ إن هناك الكثير من الكلاسيكيات لم تترجم رغم التركيز عليها في كل ترجمة إلى لغة أخرى، وهل تتم ترجمة الجديد منه بسبب حصوله على جوائز أم لأسباب أخرى؟
هذا السؤال يؤكِّد إجابة السؤال السابق، فمع غياب مؤسسات ثقافية تتبنى مشروعات كبرى تنهض بالترجمة وتُعنى ليس فقط بسد الفجوة وتلاشي أوجه التقصير بل بمواكبة العالم، يبدو تخلُّفنا جليًّا في هذا الشأن.

تُهمَل ترجمة أعمال كثيرة مهمة قديمة وحديثة، ويُصَبّ التركيز على الأعمال الفائزة بالجوائز دونًا عن غيرها

لهذا السبب تُهمَل ترجمة أعمال كثيرة مهمة قديمة وحديثة، ويُصَبّ التركيز على الأعمال الفائزة بالجوائز دونًا عن غيرها. هناك جهود تبذلها بعض دور النشر العربية في الالتفات إلى أعمال قديمة لم تُترجم من قبل وأعمال مهمة لم تنل جوائز، لكن هذه الجهود تبقى في نطاق محدود.

أن يكون هناك بيتٌ عربي يُعنى بالترجمة على غرار بيت الحكمة العباسي (قال ذلك المترجم أسامة إسبر، رغم أنهما لم يشاهدا إجابات بعضهما البعض – المُحاور) له مكتبته وأقسامه المختلفة ومشرفوه ومترجموه ومؤلِّفوه ومحرِّروه ونقَّاده. بيتٌ نعرف فيه ما نترجمه من قديم ومن حديث وما ينبغي أن نعيد ترجمته، ونحرص فيه أشد الحرص على ترجمة فكرنا وثقافتنا وعلومنا وفنوننا إلى لغات العالم.

كثيرًا مما يُترجم اليوم يُكتب بلغة عربية ركيكة هجينة أقصى همّها موافقة النص الأصلي في بنيته اللغوية. الترجمة تتيح للمترجم العربي فرصة تعلُّم لغته من جديد والعودة إلى أصولها ومنابعها لأن ذلك من شأنه أيضًا أن يرقى بلسان القارئ العربي وذوقه اللغوي

أمَّا ما سيُثلج قلوب القُرَّاء في الترجمة من الإنجليزية وغيرها إلى العربية، فهو أن يعيد المترجم العربي النظر في لغته العربية. إن كثيرًا مما يُترجم اليوم يُكتب بلغة عربية ركيكة هجينة أقصى همّها موافقة النص الأصلي في بنيته اللغوية. الترجمة تتيح للمترجم العربي فرصة تعلُّم لغته من جديد والعودة إلى أصولها ومنابعها لأن ذلك من شأنه أيضًا أن يرقى بلسان القارئ العربي وذوقه اللغوي.

 








طباعة
  • المشاهدات: 7076

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم