13-01-2024 10:51 AM
بقلم : سعيد ذياب سليم
دخل جيش الكيان الإسرائيلي قطاع غزة في الحرب الأخيرة بالطريقة نفسها التي دخل فيها أسلافهم الأوروبيون إلى القارة السمراء خلال الحقبة الاستعمارية عندما دخلوا الغابة يقنصون يعذبون ويحرقون ويأسرون أبناءها و يبيعونهم في أسواق العبيد في الغرب البعيد، من صوّر لهم أن غزة هي الغابة؟
في أحد أيام أكتوبر 2022 وقف "جوزيب بوريل" ، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية أمام طلبة إحدى الكليات الأوروبية وبدأ محاضرته قائلا :
ما الفرق بين الحديقة و الغابة؟
الحديقة مكان جميل يقطنها أناس متحضرون والغابة هي قلب الظلام حيث تعيش فيها الحيوانات البرية، يذكر كثير من الناس الذين يعيشون في أسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية كيف عاملتهم أوروبا الاستعمارية باسم الإنسانية كحيوانات برية استعبدتهم عذبتهم وعرضتهم في حدائق كحدائق الحيوانات.
لذا عندما تقوم أعلى هيئة دبلوماسية للاتحاد الأوروبي بمقارنة أوروبا كحديقة تحيط بها الأدغال المظلمة يعني أن أوروبا ما زالت تديرها العقلية الاستعمارية .
ثم وخلال محاضرته حذر من أن تغزو "الأدغال" تلك "الحديقة" و أضاف على البستانيين أن يذهبوا للأدغال .
أثار تصريحه هذا كثيرا من الجدل و تعرض للكثير من النقد حول ما يعنيه، مما اضطره الدفاع عن نفسه مبينا أنه استخدم استعارة أسيئ فهمها و أشار إلى أن هذا المصطلح مستخدم في النقاشات الأكاديمية منذ عقود وكتب على موقعه في منصة" إكس" ما قصدته : "هل ينبغي أن يستند النظام الدولي إلى قواعد ، أم ينبغي أن يستند إلى "قانون الغاب"؟
سواء قصد الإساءة أم لا فهذا يكشف لنا -من خلال المصطلحات التي استخدمها-أن أبناء الغرب يتداولون بينهم لغة خاصة مطاطة تحمل معاني متباينة في العنصرية تكشف كيف ينظرون إلى بقية العالم؟
مرة أخرى أثارت الرسالة التي وجهتها رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون ديرلين" بالمناسبة الخامسة و السبعين لقيام إسرائيل جدلا و استنكارا واسعين ،والتي قالت فيها:
قبل خمس و سبعين سنة تحقق حلم قيام اسرائيل دولة مستقلة، بعد أعظم مأساة في التاريخ الإنساني أصبح بإمكان الشعب اليهودي بناء بيت في أرض الميعاد.
نحتفل اليوم بخمس و سبعين سنة من الديموقراطية النابضة بالحياة في قلب الشرق الأوسط،، خمس و سبعين سنة من الديناميكية و الإبداع والريادة، لقد جعلتم الصحراء تزهر بالمعنى الحرفي للكلمة ، ثم تمضي برسالتها لتقول : إن لدينا أمور مشتركة أكثر مما تقترحه الجغرافيا، ثقافتنا المشتركة و قيمنا المشتركة. و مئات الألوف من المواطنين الأوروبيين الإسرائيليين ذوي المواطنة المزدوجة الذين يربطوا بيننا رباطا عميقا جعلتنا أصدقاء و حلفاء.
من هنا أدخلت " أورسولا فون ديرلين" إسرائيل العنصرية إلى الحديقة الأوروبية ، إسرائيل التي أقامت دولتها على الأرض الفلسطينية ، و دمرت منازل الفلسطينيين و قتلت و شردت فيما يسمى النكبة سنة 1948 و اعتدت على ما تبقي من أرض سنة 1967 ، والتي ما زالت تضطهد و تعتدي على الأرض و الإنسان الفلسطيني في الضفة الغربية و غزة، ولا تعترف بحق الفلسطينيين بالوجود و إقامة دولتهم المستقلة ، إسرائيل إذن هي جزء من الحديقة الأوروبية بعكس بقية العالم.
ما أعجب هذه الحديقة التي وُلدت على أرضها الصهيونية و النازية و الفاشية وانطلقت منها الحركات الاستعمارية.
إذا ربطنا الأحداث بعضها ببعض يبدو لنا تأييد أوروبا قادة و شعوبا لإسرائيل في حربها الأخيرة ضد غزة في سياقه الطبيعي بالنسبة لهم فهم أبناء حضارة واحدة.
فِلمَ نشعر بالغرابة من قول رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي "أننا أبناء النور و هم أبناء الظلام" ، وقول وزير دفاعه "يوآف غالانت" عن فلسطينيي غزة أنهم حيوانات بشرية.
فالحديقة الأوروبية هي التي ألهمتهم ذلك و ألهمت بعض الحالمين في إسرائيل فكرة تهجير فلسطينيي غزة إلى أدغال إفريقيا ذاكرين على الأخص راوندا و تشاد و الكونغو الديمقراطية في الوقت الذي فيه تحاول هذه الدول نفي ما يشاع.
في السياق نفسه أثيرت ضجة أخرى منذ أيام عندما قامت الإعلامية " جولي هارتلي بروير" وبطريقة وصفت بأنها مقرفة و غير محترمة و ليست مهنية أثناء مقابلتها السيد مصطفى البرغوثي في برنامجها "تالك تي في" ، فقد قاطعته عدة مرات و صرخت في وجهه واستهزأت بأفكاره وفي النهاية تحدثت بعبارات قصدت فيها الإهانة قائلة " أعتذر لكون محادِثتك إمراه" تقصد بذلك أنك بصفتك فلسطينيا و مسلما لم تعتد محادثة النساء .
يتبين من ذلك مرة أخرى ما يتمتع به بعض الشخصيات الغربية من عنصرية وكيف ينظرون باستعلاء لبقية العالم.
كيف لنا أن نخرج من الغابة ؟ كيف نفرض وجودنا على الخارطة الحضارية و الإنسانية ؟ ونحن أبناء حضارة كان لها الفضل في بناء الحديقة الأوروبية من قبل ؟
وكيف نفهم التناقض و عدم الانسجام في كون أوروبا و إسرائيل أبناء حضارة واحدة وقد سبق لأوروبا أن أذلت و كرهت و اضطهدت بل و أحرقت اليهود من قبل !
سعيد ذياب سليم
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-01-2024 10:51 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |