14-01-2024 05:38 PM
بقلم : سيف منور
يحار الناظر لما جرى من أحداث في اروقة محكمة العدل الدولية في لاهاي ، من حجم الانتهاكات الاجرامية التي ارتكبتها اسرائيل ضد المواطنين الفلسطينيين في غزة ، ويستغرب ، الم يكن بمقدور اي دولة من الدول العربية ال٢٢ ان تقوم بما قامت به دولة جنوب افريقيا ، وان تنصف الفلسطينيين ، وان ترفع دعوى قضائية كما جرى اليوم ، اذا كانت المحكمة تقبل الدعوى من الاشخاص والدول التي تنضوي تحت ولاياتها ، او الموقعة على اتفاقية منع الإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية ، فتساؤل المواطن العربي البسيط يقول : كيف لنا كعرب ولدينا كل هذه الامكانيات ان نغفلها وتأتي جنوب افريقيا وتنتصر للفلسطينيين ؟ ودعنا نضيّق المسألة ونقول الم يكن باستطاعة السلطة الفلسطينية بزعامة عباس ان تنتصر لأبناء جلدتها وان تلجأ لمحكمة العدل الدولية ، ما هذا الاخفاق العربي ، وما هذا التهاون الفلسطيني في ارواح وممتلكات الابرياء في غزة .
ابدع الجنوبيون الأفارقة في تقسيم الادوار التي قاموا بها امام هيئة المحكمة الموقرة ، فقد قدموا عرضا مبهرا ، قل نظيره ، وكأنما الضحايا الغزيين هم ابناء جلدتهم او ابناء عمومتهم ، حيث قدموا الادلة الصوتية والمرئية والخطابات الرسمية لقادة الكيان الصهيوني وفيديوهات الجنود الصهاينة ، وفيديوهات تفجير المنازل والمدارس ، وكأنهم كانوا يجمعون المعلومات والوثائق والصور كأدلة دامغة على مدى توحش وهمجية جنود الاحتلال الاسرائيلي .
ان العرض المتميز الذي قام به اساتذة القانون والمحاميين من جنوب أفريقيا ، جعل العالم الحر والمتمدن والمتحضر والقاصي والداني يحكم على اسرائيل من اول جلسة من خلال العرض المتميز بأنها دولة إجرام ، ولذلك ما عاد هنالك حاجة لان ينتظر العالم نتيجة المحاكمة ، فما قد عرض كان كافيا ووافيا لأن يحكم المواطن العادي في اقاصي الارض ، بغربها وشرقها وجنوبها وشمالها ، بعد ان بثت قنوات التلفزة العالمية الجلسة الافتتاحية وما شاهدوه من تركيز عالٍ على فحوى ومضمون الادلة الدامعة ضد هذه الدولة العنصرية ، التي تمارس الإبادة الجماعية ضد العزّل والبسطاء من البشر ، كانت كفيلة بان يستخلص المتلقي نتيجة المحكمة النهائية وكأنما حكم على اسرائيل بالنبذ ، فهي اليوم كيان منبوذ حتى لدى من دعموها في الحرب ، بعد هذه المرافعة أخذ الجميع يتنصل منها ، وكأنما هي وباء يصيب كل من اقترب منه .
ان موعد المحاكمة جاء في وقته ، وذلك لان دولة الكيان العنصري كانت تتجه في نهاية الثلاثة اشهر من القصف المركز على خيار التهجير الطوعي للغزيين ، بعد ان فشلت في محاولتها الاولى في بداية الحرب في تنفيذ التهجير القسري عندما مسحت احياء بأكملها ومدنا ، وحشرت الغزيين في جنوب القطاع ، كي يهربوا عبر الحدود الى سيناء ، فالمحكمة اليوم تستطيع ان تجبر اسرائيل عبر مجلس الامن الدولي والجمعية العمومية ، بأن توقف القتال والتهجير لأنهما من الجرائم ضد الانسانية .
ما يهمنا في هذا المقال انه كان من الممكن ان يكون للدول العربية مجتمعة او منفردة ، او لجامعة الدول العربية الموقف ذاته الذي قامت به جنوب افريقيا، من اقامة دعاوٍ ضد اسرائيل ، ومن قطع العلاقات مع الكيان ، وكان يمكن لهم ان تكون مواقفهم مشرفة في سماء العروبة ، ومع اشقائهم الفلسطينيين ، الا ان الوهن العربي والتفكك العربي حالا دون حيازة هذا الشرف العظيم ، ففازت به جنوب افريقيا التي عانت من نظام الفصل العنصري في بريتوريا ونظام الابرتايد الذي يعاني منه الفلسطينون اليوم ، وما نسيت جنوب افريقيا وقوف العرب معهم في قضيتهم ازاء حكم البيض لهم واقصائهم ونبذهم في وطنهم ، فتصدت هذه الدولة العريقة لكل بشاعات الكيان الصهيوني لانها هي الاخبر والاعلم بما عانوه ويعانيه الفلسطينيون تحت الاحتلال . شكرا جنوب افريقيا وتعازينا للعرب . والله من وراء القصد
سيف منور
باحث سياسي وقانوني
Saifmenwer0@gmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-01-2024 05:38 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |