18-01-2024 09:50 AM
بقلم : سيف منور
يرى جمع من الكتّاب العرب ان الدول العربية باتت ممزقة وفي اواخر عهدها ، ولا نجاة للمواطن العربي الا في نهايتين قاتلتين ، اما الهجرة والضياع الى بلاد الاغتراب ، او البقاء في جحيم الاوطان كما حدث في سوريا والعراق وغزة وغيرها ، مما جعلني استقرء التاريخ لشعوب اوروبا المتحضرة وامريكا الحديثة ، وكيف بنيت تلك الدول وما الذي مر بها ، وعليه فان مصير الانسان العربي ليس الاستكانة في مكانه وقبول الواقع المر ، ولا الهجرة وما تخلفه من شتات وتديمر للذات العربية ، فكلاهما آمرٌ من الاخر ، الحل هو في صيرورة التاريخ ، التي تقول ان المجتمعات المنعتقة من الاستعمار الحديث لا بد لها من ان تمر في مراحل عدة حتى تستقر .
هذه المراحل هي حتمية تاريخية لا بد منها ، فالمرحلة الاولى هي الانعتاق من الاستعمار باي وسيلة كانت ، وهذا ما حدث مع الدول العربية التي انهت الاحتلال التركي بعد الحرب العالمية الاولى ، وخاب أملها عندما اُستعمرت من الدول المنتصرة ، وتوزعت بين بريطانيا وفرنسا وايطاليا ، المرحلة الثانية هي الجلاء للمستعمر الحديث ، حيث نالت اغلب الدول العربية استقلالها من الدول المستعمرة تباعا بعد الحرب العالمية الثانية ، واستمر ذلك من العام 1946 " دول بلاد الشام " والستينات " دول المغرب العربي " انتهاء بدول الخليج حتى اوائل السبعينات ، المرحلة الثالثة هي المشاكل الداخلية والانقلابات والحروب العربية - العربية ، وذلك للخلاص من ذيول المستعمر وتركته البغيضة ووكلائه في الانظمة العربية ، وهذه اخذت اشكالا مختلفة حتى وصلنا الى ما سمي بالربيع العربي او " الدمار العربي " الذي اجتاح الدول العربية في اغلبها واسقط اغلب انظمتها ومازال العرب تحت هذه الموجة ، وبهذا يكون قد مر على الامة العربية منذ تأسيس اول دولة حديثة في عشرينينات القرن الماضي الى عشرينيات القرن الحالي مئة عام ، المرحلة الرابعة التي لم تبدأ بعد وهي مرحلة تثبيت النظم الحديثة بعد حروب طاحنة ستحدث داخل الدول انفسها ، وذلك لاعادة تشكيل البنى الاجتماعية والسياسية واعادة بناء التكتلات والتحالفات مع الدول المجاورة ، لان اتفاقية سايكس- بيكو عندما قسمت الوطن العربي لم تراع الجغرافية والتاريخ المشترك والبنى الاجتماعية ، وهذه المرحلة قد تعيد تسمية المسمى واعادة ضم وتجريف ما هو قائم .
هذه المراحل تعتبر اجبارية كي يدخل العرب المرحلة التي دخلت فيها اوروبا نظامها الحديث بعد الحرب العالمية الثانية ، فاوروبا اليوم التي نُعجب بها خاضت حروب طاحنة في ما بينها كثيرة ، منها حروب دينية ، ومنها عرقية ، ومنها فكرية ، الى ان تمخضت عن حربين عالميتين ازهقتا قرابة ستين مليون انسان ، ثم استقرت ، فهل المواطن العربي يعتقد انه سيصل الى ما وصل اليه المجتمع الاوروبي دون ان يدفع الثمن ، من المؤكد لا ، فلكل شيء ثمن .
ان ما يشهده العالم العربي اليوم ، ما هو الا " طبطبة " على الاوجاع ، ومعالجة حثيثة ليوميات الحُكم العربي ، دون رؤية استراتيجية عميقة لمستقبل العرب ، لذا فالقادم لن يكون اصعب من الحاضر كما لن يكون اسهل ، بل سيكون متفقا مع منطق تطور الاحداث ، وحقيقة التاريخ وتطور المجتمعات ، انها ليست نجاة مؤقتة بل هي انتظارٌ لمصيرٍ محتوم وفق السياق التاريخي لولادة الدول .
والله من وراء القصد ..
سيف منور
باحث سياسي وقانوني
saifmenwer@gmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-01-2024 09:50 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |