20-01-2024 05:21 PM
بقلم : علي الحراسيس
... من قرأ كتاب 'بدائع الزهور' لابن إياس وأصابه الغثيان وعسر الهضم العقلي من مشاهد وحشية كأكل الجياع للمارة من بني جنسهم او افتراس بغلة القاضي على الطريق العام وهي نيئة، او طبخ النساء لأطفالهن ، ظنوا ان هذا اقسى ما يمكن لمؤرخ في زمن انحطاط ان يأتي به، لكن المؤرخ ابن الأثير الذي شاهد ابراجا تشيد من جماجم القتلى اثناء غزو المغول اصابه الذّعر مما رأى فودّ لو ان امه لم تلده كي يعيش ذلك الزمن، لكن مؤرخي هذه الفترة الحرجة من حياتنا قد يذهبون الى ما هو أبعد من ابن اياس وابن الاثير وابن خلدون وسائر الابناء في هذه السلالة الجريحة.
فما كان قتلا بالسيف او جوعا يبيح اكل لحم البشر احياء وموتى هو الان قتل جماعي تنفذه آله عسكرية شريره تجاوزت ما فعله المغول في بغداد وما فعله هتلر نفسه بحق اليهود في معسكرات الاباده في اوشفتز ،الة عسكرية تستهدف الاطفال والنساء والمراكز الصحية والمستشفيات والمدارس ومراكز لجوء الهاربين من الجحيم وبصورة عشوائية رغبة في الانتقام ورد الاعتبار امام هزيمة يتلقاها وامام احباط واسع بين صفوف الجيش وحتى الجمهور طوال اكثر من 100 يوم وبالتالي نشهد مقابر لا حدود فيها او فواصل بين جسد وآخر، وجرحى يئنون تحت وطأة الحرائق التي التهمت اجسادهم دون عون وقدم حرموا من الماء و الدواء وكأن المقتول هو مطلق الانسان، .
الشر هنا لم يتوقف عند الآله الصهيونية العسكرية العمياء ، بل اتسع الشر ليشمل اشرارا اخرين كشفوا عن عمق وحشيتهم وحقدهم ، فمنهم من ساهم بالمعركة جنودا وسلاحا وغطاءا دوليا لحماية المجرم ، ومنهم من يشكل " دور " المرأة الونانه " التي تصرخ ويرتفع صوتها في محاولة للتغطية على صرخات الأطفال ومشاهد القتل كما فعلت " هيكوبا " المرأة الثرثارة الونانة التي اشتهرت بين شخصيات المسرح الاغريقي لكونها تحاول ان تصرخ باعلى صوتها للتغطية على صرخات الطفل الذي يعاني من ألم التعذيب الذي يواجهه على يد الشرير في المسرح ، بحيث يختلط الأمر علينا ونحن نصغي الى صرخات الأطفال ونواح النساء الثكلى وصورة الأطفال في مشاهد قتل جماعية اطاحت بكل القيم الانسانية والاخلاقية قبل ان تطيح بارواحهم صواريخ ورصاص وقاذفات العدو واعوانه .
الموتى مجرد ارقام صمّاء، والإبادات ثقافية ومعنوية، اما الحياة فقد تحولت الى مجرد عيش، وتحققت نبوءة اليوت حين تساءل في أسى: أين هي الحياة التي اضعناها في العيش؟
ما يحدث الان في غزة هو اشتباك بين الحق والباطل ، بين الشر والخير ، بين المجرم والضحية الباحثة عن الأمن والسلام والكرامه ، فالحدث ينشر على الملأ فور وقوعه بالرغم من محاولات بعض الكاميرات التي تمارس الانتقاء ايضا، وثمة متأمرون في محطات فضائية يملون عليها ما تنقل، فالصورة ليست بديلا عن الشهود لهذا سيكون لهذه الاحداث روايات اخرى قادمة من اجل اختلاط الامر على من يتلقى الروايات ما دامت المسافة بين الحق والباطل قد اصبحت مرنة ومطاطية تبعا للنوايا وقواعد الاملاء التي تفرضها قوى الشر في واشنطن ولندن وبرلين .
قالوا ان التاريخ يكتبه الاقوياء، وتحرم فيه الضحايا حتى من حق الانين ، لكن في غزة تبدل المشهد وانقلبت موازين كثيرة وتبدلت قيم وتغيرت مفاهيم ،وهاهي العناصر المقاتلة في غزة تتحدى وتعدل الميزان بقوة الحق وقوة الارادة قبل البندقية ، وسيكتب التاريخ باقلام المستضعفين لأول مرة ، وستفضح غزة ما عجزت عن كشفه دول ومنظمات وحكومات كانت تخشى من البوح بالحقيقة ، وستعلن للعالم بأسره ان " السامية " التي احتمى بها المجرمون طوال 100 عام ودفعت الكثير بل واستغلتها حكومات العدو لتبرير جرائمهم والتهرب من العقوبة هي اصل الشر الذي لابد من مواجهته ودحره وهو ما اظهرته اتجاهات البشر حول العالم طوال اكثر من 100 يوم من ارتكاب ابشع الجرائم والقتل والاباده الجماعية والتجويع والعطش الذي مارسه "الساميون " بحق السكان الآمنين في بيوتهم وعلى ارضهم .
غزة هي مفتاح التغيير في المفاهيم والقيم ،وهي جرس الصحوة الذي سيعيد العالم الى رشده وانسانيته وسيكون للحق والعدالة اعتبارهما الذي غيبته قوى الشر والاستعمار والغطرسة طوال قرون مضت . وحتى إذا لم تحقق غزة ما ارادت واستمر تكالب الغرب وبعض العرب ، فلن تتوقف حركة التغيير التي اطلقتها غزة وسيواصل العالم وكل المستعبدين في الأرض مواصلة السير على طريق غزة حتى يتحقق الهدف .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
20-01-2024 05:21 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |