24-01-2024 03:24 PM
بقلم : د.نشأت العزب
من غير الممكن البدء بحل اي خلل مهما كان معقدا بالنظر الى حالة هذا الخلل في لحظة الان ، "الأن" هي نتائج لتراكمات من الاخطاء التي نشأة من بؤرة ما في لحظة ما في الماضي ، و مهما كان حجم هذه البؤرة صغيرا فيكفي حقيقة وجودها و تكونها لتبدأ و بشكل تدرجي و متسارع مع الاحداث بتوليد اسباب اخرى قد تختلف عن السبب الرئيسي الاولي ، و لحل مشكلة “الأن” من الضروري ايجاد اول سبب تكونت منه المشكلة حتى لا نكون كمن يعالج السبب لا المرض !
ان الغطرسة في التعامل مع مجريات الاحداث و التمسك بما تطلب "الأنا" ان كان على مستوى الفرد او الجماعات من دون الاستناد على اسس علمية و معرفية راسخة لهو ما سوف يقود العالم الى نتيجة حتمية و هي الانهيار و الكساد العظيم و ما سيتبعه من اثار سلبية على كافة الاصعد و الجوانب مما سيجعل من حاضر المستقبل نقطة لا قيمة لها لا تتساوى حتى من لحظة بداية الماضي .
ان اول خطوة في حل اي خلل هو الاعتراف بالخلل، و محاولة ايجاد صيغة لحل ما يسبب الخلل، و للقيام بذلك يلزم العالم حكماء ذو عقول محايدة، الأنا لديهم ترتكز على مرجع "أنا الإنسان" بغض النظر عن أي تصنيف أخر من لون و عرق و دين او فكر، فلا معنى اليوم و في حالة عدم الاستقرار العالمي في مختلف المجالات ان تظهر اي فكرة على شكل حل لا تعنى بالإنسان كقيمة لا كسعر.
ان الانسان كفرد و جماعات هو المكون الاساسي لاي حضارة، فالحضارة تكتسب قيمتها التي تتناسب مع مدة بقائها من إنتماء الانسان لها و الانتماء قيمة ترتفع بشكل طردي من الفائدة التي تضيفها الى حياة الافراد و الجماعات ، و لأن الحاضر هو اللحظة التي تعد خلاصة لنتائج الماضي التي اختزلت في سلوك المجتمعات، فلا يمكن التفكير بأي خطوة بإتجاه المستقبل دون النظر الى الاسباب الاولية التي اوصلت العالم الى هذه المرحلة من الانقسام و الصراع الذي يهدد السلم و الامن العالميين.
كان الاقتصاد و عبر التاريخ هو الركيزة الاساسيه التي تبنى بها الحضارة و اللغة الاساسية في تواصل الشعوب و هو العامل الاساسي في تقدم او انهيار اي حضارة, و لأن المئة عام الماضية كانت مبنية على التوسع و التقدم من دون التفريق بين الثمن و التكلفة و من دون فهم الفرق بين السبب و النتيجة، فأصبحنا نعيش في عالم تحتاج فيه الإنسانيه إلى الحكمة و المعرفة للخروج من هذا الواقع الذي بني على أسس غير سليمه و فهم مشوه لحقيقه النفس البشرية و تأثرها و تأثيرها بالتقدم و التطور التكنولوجي المرافق للرغبه بالتوسع و التقدم.
ان النفس البشرية تمثل انعكاساً لحالة الوعي البشري الأم، الذي يمر و منذ بداية التاريخ البشري مرورا بلحظة "الأن" إلى المستقبل بمراحل مختلفة من النمو، تماماً كما الكائن البشري الذي يمر بمرحلة الطفولة، المراهقة، الشباب و الشيخوخة، كذلك الوعي يمر بتلك المراحل و لكل مرحلة منها انعكاسها على السلوك البشري مع تأثره بالطبع بالوسط المحيط، و لان الواقع اليوم مؤشر لما كان بالأمس فيمكننا الاستدلال بأننا و عبر التاريخ كنا نعيش في مرحلة الطفولة و المراهقه التي تكون فيها الأنا هي الجزء الذي يملك القرار في سلوك الانسان الذي يوجد في وسط طبيعي يعد مانحاً دوما للمسيرة البشرية التي تتسم اتجاهه بأنانيه النفس فأصبحنا نواجه خطر سلوكنا اتجاه الطبيعة و اتجاه انفسنا، فالأنسان في مرحلة الطفولة يتسم سلوكه بالعبث و اللعب و تتم عملة بناء القرار في دماغه بناء على ما تمليه عليه نفسه دون إعطاء اي اهتمام لا نتائج و اي تكلفه لسلوكه، و اليوم و في ظل التحديات المناخية و الاقتصادية و السياسية التي يمر بها العالم اليوم اصبحنا مدعوون للخروج من حاله الطفولة و المراهقة البشرية و التحول إلى حالة بلوغ الوعي و مسؤليته اتجاه كل سلوك يقرره، حالة البلوغ في الوعي المتمثلة بالاهتمام بإرساء أسس الإنسانية السليمة و ايجاد أنظمة اقتصادية اساسها القيمة و خدمة الإنسانية الطبيعة و ضمان تقدمهما و تطورهما و ضمان سيرهما على المسار السليم و الصحي الذي يضمن العدالة و الأمن و السلم العالميين .
إذا ما أراد العالم اليوم الخروج من حالة عدم الاستقرار و الوصول إلى حالة من السلم و الأمن و ضمان استمرارية رحلة الإنسانية و تعديل مسارها الى ان تصبح على المسار الصحي و السليم فعلى حكماء العالم و أطرافه الاهتمام بايجاد قانون شامل و عادل تكون فيه القيمة هي محور القانون و ان يتم التعاون و العمل الدولي يداً بيد و على كافة الصعد لضمان تحقيق حالة الاتزان العالمي، فالنتائج اليوم تثبت ان الانسان هو عدو نفسه و بسلوكه بتغذيه الأنا على حساب القيمة و دون حساب الثمن هو بذلك يقوم بالاقتراب اكثر من نقطة اللاعودة.
لا يمكن البدء بإنشاء قواعد لاي افكار متزنة تساعدنا للخروج من حالة اللاسلم و التوتر العالميين دون الأخذ بعين الاعتبار اثر الوسط المحيط بالكائن البشري من جانب و اثر النظام المالي المهتم بالسعر عليه و تراكمه بداخل عقله اللاواعي و تكونه كنظام حياه لديه ، فالتكنولوجيا تتسارع بمعدل لا يُصدق، وكلما تقدمت، كلما أثرت بعمق على النفس البشرية. فالتكنولوجيا ليست مجرد أداة، بل هي عبارة عن امتداد للإرادة البشرية، وفي تلك التمديدات نجد أنفسنا نغوص في أعماق أثرها علينا و على سلوكنا و من هنا وجب علينا الاهتمام بالجانب الأخلاقي للقيمة على اي افكار يتم طرحها لضمان الوصول إلى عالم واحد يطمح له الجميع و يعد وسطا مثاليا لكل فرد فيه.
يشكل الفهم الاقتصادي للقيمة و طرق الكسب تحدًا للفهم التقليدي للذات، حيث يتغير الفرد ويتفاعل مع الواقع بطرق معقدة. هذا التأثير يتجلى في التحولات النفسية، فلا معنى لاي فكرة اقتصاديه لا تعني بالإنسانية "نحن" و لا تعزز الاتصال الاجتماعي وفتح آفاق جديدة للتفاعل، فالأفكار التي تحقق الأنا لا يمكنها تحقيق اي إضافه إلى عالمنا اليوم أيضًا سوى أنها تعمق الشرخ للانعزال وتحديات التحكم الذاتي الفردي دون النظر بالأثر على الآخر .
من خلال توسع الوصول إلى المعلومات وتبسيط الحياة، حان الوقت للبحث عن طرق تعامل مالي و اجتماعي جديد يعني بالقيمة الحقيقة لأنا الإنسان و يبنى على فهم حقيقي للنفس البشرية و طرق تفاعلها مع العملة و اثر ذلك عليه و على مجتمعه و إقليمه و العالم بالمحصلة، فالتحولات التي تطرأ على نمط التفكير والتحليل الفلسفي للإنسان هي ما يجب اخذه بعين الاعتبار بالمحصلة فهو ما يمثل نتيجة النتيجة للسلوك البشري، و دائما علينا طرح سؤال قبل طرح اي فكرة تفاعليه و هو هل يعد هذا التقدم طريقًا نحو الحرية الفعّالة و تحقيق المنفعة للصالح العام ؟ هل تسهم هذه الفكرة في التوازن بين حالة بلوغ الوعي البشري و اثره على سلوك الكائن البشري ؟.
بلا شك، تتراءى أمامنا تساؤلات حول هوية الإنسان اليوم، و حقيقة فهمنا لحقيقة التراكمات التي تدفع آلية بناء القرار لديه و السلوك بالمجمل وكيف يمكن تحقيق حالة من التحول السليم و الصحي من الاهتمام بالسعر للاهتمام بالقيمة و جعلها محور التفاعلات و التواصل بين الأفراد و الشعوب و الدول ، و مما لا شك فيه ايضاً ان ذلك لا يمكن ان يحصل دون ارساء قوانين فاعلة تعنى بضمان حرية و عدل و امن الوسط الذي من خلاله تتم كل تلك التفاعلات و هو كوكبنا الام الأرض.
في عالمنا المعقد اليوم،تتجلى أهمية توازن السلوك مع حالة الطبيعة والكون ككيان واحد يتجلى في تفاعل الإنسان مع بيئته. يعكس هذا التوازن سلوكاً عميقًا في مفهوم الوجود والتأثير المتبادل بين الإنسان والطبيعة، فمن خلال تناغم سلوك الإنسان مع الطبيعة، يبني الفرد تفاعلاً سليماً يجمع بين احترام البيئة وتحقيق التوازن الروحي و النفسي. هذا التوازن يسهم في الحفاظ على الكوكب وتحقيق التناغم بين البُعد الإنساني والبُعد الطبيعي، ففي هذا السياق، نحن مدعوون جميعاً للوصول إلى لغة مشتركة تحقق فهم عميق لكيفية تأثير سلوك الإنسان على هذا الكون العظيم و انعكاس ذلك عليه و على وسطه المحيط.
عندما يبدأ الإنسان بالعيش وفقًا لأسس ترعى التوازن والاحترام المتبادل مع الطبيعة و تحقق ترجمة فاعلة للتوازن بين الوعي الكوني الام و الوعي و السلوك البشري، فإنه يسهم في بناء عالم يزدهر بالتناغم بين البشر والبيئة. تتجلى هنا أهمية أن يكون السلوك متوازيًا مع حالة الطبيعة بطريقة حقيقة و فاعلة، حيث يُشدد على التفاعل المسؤول والمستدام، يسهم في خلق وجود ذو طابع أخلاقي يتوافق مع قيم التوازن والتناغم في الكون.