27-01-2024 10:08 AM
بقلم : طلال الدحيم بني خالد
منذُ أن بادرت الحكومة بإطلاق مشاريع تستهدف الأحزاب أصبحت العشائر الأردنية بحضرها وريفها ومخيماتها مزارات تهفو إليها أفئدة ُ المسؤولينَ الحالمين أصحاب البزّات الأنيقة والسيارات الفارهة لتتحول مضائفها، أعني (العشائر) إلى استوديوِهات تحليلية وهتافات وطنية وشعارات ارتجالية أعدت بعناية، سبقتها اجتماعات تحضيرية في الصالونات السياسية طبخت في عمان لتقدم مائدتها وفق برنامج على جدول الانتظار، تارة تزف من أقصى الجنوب وآخر في أقصى الشمال قبلتها عمان يحرص مرتجلوها على عبارات اختلطت محسناتها البديعية بشعارات وطنية أخرجت من شرنقة الحروف إلى سمفونية الإيقاع لتطرب من يسمعها، كما لو أن هناك أوبرا، يتناوب على قصعتها ثلاثة طارات، ففي
الطارة الأولى: من كان خياراً في قائمة الحزب مرشحاً، وعادة ما يكون المعزب ومحل الاجتماع وفي الطارة الثانية: المثقفون وحملة الشهادات واصحاب الرؤى وممن يحملون افكارا اصلاحيه ومتمردون على مفهوم الانتماء الضيق للعشيرة، ويبتغون الانتقال الى مستوى آخر من التخاطب نحو آفاق اوسع من البرامج والفلسفات التي تلبي طموحاتهم اما
الطارة الثالثة: وهم البائس والحارس والجالس على وسادة الضيق والعوز، وهي أكثر شريحة مستهدفة وإقناعها ليس بالأمر السهل بسبب مشكلتي الفقر والبطالة، ولأنها عانت الأمرّين على صعيد الوظائف والتعيينات وتكافؤ الفرص، أيضاً أكثر فئة مستغلة سيما أن المقايضات والتفاهمات التي يتم إبرامها في الغرف المغلقة والتنفيعات عادة ما تكون مستثنية منها لذلك إقناعها ليس بالأمر السهل وخصوصاً أن هذه الفئة لها تجارب وفوبيا بوليسية سواء أكانت في الجامعات أو التعيينات الوظيفية، فالسباق بين أحزاب تولدت وأخرى اندمجت يتطلب منها السعي في إثبات ذاتها وتطوير قدراتها وأدائها في ممارسة دوراً وطنياً منضبطاً على شكل أفكار وفلسفات وخطط وبرامج تستمرئ الذوق وتحاكي الفكر وتلامس الأفئدة.
البحث عن الهوية السياسية بين العشائرية والحياة الحزبية
هل أنا عشائري أم حزبي، أو لماذا أكون أحدهما دون الآخر، وما المانع في الجمع بينهما؟
هنا سأقيم لأستدعي دالتي على هذا اللغط والفوبيا التي أرّقت العشائر حين يستدعى أحدهم للإنخراط بالحياة الحزبية لاستحضر بعض ومن الأفكار المتناثرة في دراسة كنت قد كتبتها منذ سنتين لأقف على تعريف العشيرة من الناحيتين الاجتماعية والمدنية:
أولاً: العشيرة من الناحية المدنية: هي مكون اجتماعي متآلف ارتضى العيش أبناءها مع بعضهم البعض بما يأنسون من مثل ويعتقدون من موروث بمنظومة من الضوابط والنواميس والقيم الراقية القائمة على أواشج قربى ومصاهرة دم وأعراف حميدة لها صفة القداسة في سلوكياتهم ونمط معيشتهم لذلك لا يمكن حصرها في زمرة مدنية متجانسة وفقا لهذا المفهوم .
ثانيا: العشيرة من الناحية المدنية هي الوعاء والقالب الذي تنصهر وتتشكل فيه جميع المنظومات الوطنية والأقليات المدنية وهي الكيان الذي يسهم في تدعيم أركان الحكم.
وهنا يمكن الإجابة على التساؤل الذي قد يطرحه البعض عن الهوية العشائرية لدى انخراطه في حزب معين وفق مآلات وأيديولوجيات وأفكار وبرامج سياسية يكون الانتماء فيها خارج منظومة العشيرة بمفهومها الاجتماعي.
إن العشيرة بمفهومها المدني هي الوعاء والحاضنة لكل تلك الأيديولوجيات والأفكار والتصورات الهادفة والوطنية فالبناء العشائري يعيش تحولات جذرية على مستوى بنياته الأساسية ومتطلباته الوجودية خارج إطار الانتماء الضيق ولا تستطيع الناي بنفسها من التفاعل مع الاحداث والمستجدات في ضوء هذه التحولات العصرية لنخرج هنا من الهوية المغلقة "العشائرية" إلى الهوية المكتملة الحياة الحزبية وهنا يكون الفرد ناضج الهوية الوطنية بتركيبتها السياسية وحين يكفل له الدستور التمتع بالحياة الحزبية والتعايش مع الأفكار والانتماءات السياسية والانفتاح على الآخر والتخلص من نمطية الانتماءات الضيقة في إفرازاته وصولاً لآفاق أوسع بواباتها، الإعلام الرقمي والتكنولوجيا والمعلومات والاستنساخ.
وفي ذات السياق قد يقول قائل هل أبناء العشائر حين يفرون من تلك الزعامات التقليدية التي أغلقت دونهم السدود والحدود للوظائف العليا وحاربتهم في إبداعاتهم وفلسفة وجودهم تكنوقراطيا وطموحاتهم التي ارتدت عليهم كالارتدادات المريئية إلى الأحزاب الذي هو دالتهم ومكان تلبيتهم وركن شعائرهم الوطنية إن جاز التعبير سيقعون مرة أخرى في مصائد المتنفذين في حياتهم الحزبية، وقد يتكرر لهم أشخاص من طيفهم العشائري يستدر موقفهم ويشحذ هممهم مرة أخرى في الحياة الحزبية.
علماً أن قانون الإنتخاب يحفظ حق العشائر بالكوتة،
لذا أنا أعتقد أن هذه الأحزاب التي تطل علينا في مناطق الأطراف عليها أن ترتقي إلى مستوى طموحات الشعب الأردني على اختلاف أطيافه وتلاوينه وأن يكون أولى برامجها الإصلاحية هو العمل على تشريع وتطوير وتحصين المؤسسات من الممارسات اللامهنية واعتماد مبدأ تكافؤ الفرص فيما بين العاصمة عمان والأطراف في البوادي والأرياف والمخيمات وخصوصاً في الوظائف العليا، لأن التنمية والإصلاح لا يتحقق إلا في ظل العدالة والمساواة وسيادة القانون على الجميع حتى نكون بحق أمام ثورة بيضاء على مفهوم الانتماء التقليدي للعشيرة وإفرازاتها القائمة على الحمية.
أما على الصعيد القومي للأسف لم نجد إلا القليل من استطاع أن يضع سبابته على مواطن الألم ويضيئ ولو إضاءة باهتة على مواطن الوجع التي تلامس نبض الشارع في تدعيم النصرة القومية وخصوصاً ما يحدث في غزة من قرصنة وإبادة جماعية تحت نظر العالم وسمعة حتى تكون رديفة للدبلوماسية الأردنية وجلالة الملك حيال صفقة القرن.
وعلى صعيد آخر وما تتطلبه المرحلة القادمة من إعدادات وجاهزية فإني لا أجد الفترة كافية حتى تستطيع هذه الأحزاب من مخاطبة قواعدها الشعبية ومناقشتها في جملة من البرامج والخطط عدا عن التفاهمات الداخلية لها وخصوصاً أن هذه الفترة هي فترة مخاض تنبئ بولادة أحزاب سياسية جديدة لذا لا بد من الدولة أن تعمل على تمديد عمر البرلمان الحالي.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-01-2024 10:08 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |