30-01-2024 09:46 AM
بقلم : ماهر أبو طير
برغم كل العمليات العسكرية التي يقوم بها المحور الايراني في سورية، العراق، لبنان، اليمن، تحت عنوان مناصرة الفلسطينيين إلا أن التشكيك يبدو سائدا في كل المنطقة بحق طهران.
هناك شكوك بين شعوب المنطقة حول دوافع الموقف الايراني، واذا ما كان حقا يرتبط بمناصرة الفلسطينيين، أم أن فلسطين مجرد مظلة يتم التغطي بها، واسباب ذلك متعددة، ابرزها ملف التدخل في سورية وما تعرض له الشعب السوري خلال سنوات ماضية من مذابح وحروب داخلية، وما تعرض له الشعب العراقي وتوسع ايران في البلدين، وصولا الى اليمن والصراع القائم حاليا، حيث تُحمّل شعوب المنطقة ايران مسؤولية هذا الخراب، مع كل التغذية السياسية - المذهبية الخطيرة التي تم حقن المنطقة بها على اساس صراع سني- شيعي، ولحق كل ذلك تدخل حزب الله المقاوم وفقا لتعريفاته الاصلية في جبهة سورية، وما يعنيه ذلك من تأثيرات تركت جرحاً عميقا حتى على اولئك الذين تشيعوا سياسيا لصالح حزب الله في المنطقة العربية.
هذه هي الارضية الاساسية التي تؤثر اليوم على مصداقية الموقف الايراني، إذ إن هناك إرثاً سلبيا ممتدا، يجعل اهل المنطقة يشككون في كل عمليات الأذرع الايرانية ضد الولايات المتحدة واسرائيل، خصوصا، بعد حرب السابع من أكتوبر، التي يواجهها الشعب الفلسطيني، وسط مآخذ إضافية على ايران ومعسكراتها بسبب ما يعتبره اهل المنطقة تدرجا بطيئا في الرد على اسرائيل، فيما يتعرض الفلسطينيون الى مذابح يومية، لا تتساوى معها عمليات الرد اصلا، ولا ترتقي الى مفهوم "وحدة الساحات" الذي تم تبنيه واطلاقه في هذه المنطقة العربية.
إيران ذاتها وفقا لمحللين سياسيين تدرك هذه الصورة، وتنفي من جهة ثانية ان تدخلات معسكراتها على صلة توجيهية مباشرة بها، وتعنون هذه التدخلات باعتبارها اجتهادات كل شعب، او بلد، او نظام، او فصيل حيثما هو، وليس بسبب توجيه ايران المباشر، لكن اهل المنطقة ايضا يعتبرون ان القصة في الاساس قصة صراع على النفوذ، والموارد والثروات والبحار والملاحة والنفط، وهي قصة صراع تلتبس بالمذهبية من جهة، والمشروع القومي والديني، وبإكراهات الاختيار لدى ابناء المنطقة، فإما تكون مع اسرائيل، وإما تكون مع ايران، وهذه مفارقة كبيرة في منطقة تحفل بالخيارات السيئة، والاكثر سوءا، وما من خيارات مقبولة.
الاخطر هنا النظرية السائدة التي تقول ان التدخل الايراني عبر جبهات عديدة يستهدف رفع الحرج عن معسكراتها في دول عديدة، امام ترقب اهل المنطقة لموقفها الفعلي بسبب جرائم اسرائيل، وتشير هذه النظرية الى ان ايران ذاتها لديها وكلاء في هذه الحرب، ولا تتورط بها مباشرة، وتريد تحقيق امرين عبر اشتباكات رفع الحرج، اولهما تجنب حرب مباشرة موجهة اليها عبر التذكير بكل مساحات امتدادها في الاقليم، من خلال كل هذه العمليات التي نراها، وقدراتها على اعادة خلط الاوراق، وثانيها تذكير الاميركيين بأهمية مبدأ "المفاضلة والاستبدال" من خلال الوصول الى تسوية مع الايرانيين لخفض التصعيد وحل اشكالات ملفات مثل النووي، والصواريخ البالستية، والنفوذ الايراني، في سياق استبدال كلفة الحرب الاقليمية المحتملة، بكلفة التسليم بالنفوذ الايراني ومتطلباته السابقة، بما فيها الاقرار بمساحات ايران.
هذه المطالعة لا تتقصد مهاجمة ايران، او التعرض لها بطريقة ساذجة، لكنها تشرح طبيعة الموقف الشعبي منها القائم اصلا على شكوك متراكمة، عززتها الادارة المتدرجة والبطيئة لرد الفعل ضد اسرائيل وحاضنتها الاميركية، وما يمكن قوله هنا استخلاصا ان كل هذه الشكوك والنظريات سوف تنهار فجأة لحظة تحول هذه الاشتباكات الحالية الى حرب اقليمية مفتوحة تحرق الاخضر واليابس، وكأن شهادة حسن السلوك التي ستمنحها شعوب المنطقة لإيران ترتبط فقط بدخول ايران المباشر في الحرب وهو امر تتجنبه ايران حتى الآن، ولا تريده واشنطن ولا سلسلة الحلفاء الذين على صلة بواشنطن لاعتبارات كثيرة، فيما تريدها اسرائيل فقط اذا استطاعت ذلك، لاعتباراتها القائمة على التخلص من كل الاعداء الثابتين، والمحتملين ايضا.
الموقف من ايران بعد حرب السابع من اكتوبر، يمثل تعقيدا من تعقيدات هذه الحرب، وهو تعقيد لا يمكن فك خفاياه في يوم وليلة، وبحاجة الى وقت كاف حتى تتتكشف كل الصورة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-01-2024 09:46 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |