حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 10735

إلى أمي ..

إلى أمي ..

إلى أمي ..

19-03-2008 05:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

 

أمي...

يا كرة النور المتوهجة عطاءً...

يا جبين الفجر المُتمسّح بالعنبر و الحب...

يا دهراً ممتداً من التضحية...

يا قلباً مُضمّخاً بالطيبة، و نبضاً مُشرّباً بالحنان...

يا عشقاً أكبر من أعمارنا... ورمزاً أعظم من كل فلسفاتنا...

أمي...

أشتاق إلى يديك المخضّبة بالعمر المُثقل بالأحزان، وإلى جبينك المحفوف بالهموم
 
والأفكار، وعينيك الرازحتين تحت جفنين من الشقاء... أشتاق أمي إلى حضنك الدافئ
الذي أتكوّر فيه كلّما عصفت بي نوائب الدهر ونوازل الزمن... أشتاق إلى قلبك
المزروع في تربة الحب والحنان...
ما زلت أذكر يدك التي قادتني من الطفولة إلى المراهقة ثم الرشاد... ما زلت أذكر
قدرتك الهائلة على احتمال ثقل أعبائي... وعلى التغلغل في أعماقي وتحليل أنفاسي...
أذكرك حين تجيبينني قبل أن أسألك... تتفاني في سبيل راحتي وأنا مصدر إزعاج
وسبب إرهاقك... تهدينني الهدايا ولا تنتظرين مقابل... تحبينني بغير أغراض
وتخدمينني بلا مآرب... وتُضحّي بلآلئ عمرك من أجل سعادتي ورفاهيتي وأصر أنا أحيانا على
أن أكون شلال حزن وألم لك... يا أيها الجندي المجهول المنقوش على صخور أيامي،
المُرصّع بأحزاني وأحلامي، المرصوف بآهاتي وضحكاتي... يا قدّيسا هداني ضالا
وباركني مؤمنا...
ما زلت أذكر سهد عينيك الذي طالما أضاء ليلي... ووصاياك الفاضلة التي طالما طهّرت
قلبي وفاح عبيرها في أزقة أيامي... يا شمعة أحرقناها لنكون، ويا ثمرة قطفناها لنحيا،
وطريقا دسناه لننجو...
غريقة أنت في خلاياي... ومصهورة في أحلامي... ومنحوتة على أضلعي... ومُعلّقة
على حواف أنفاسي... ومنقوشة على مسام جلدي... يا نبضا لا يهدأ، ونورا لا ينطفئ،
ونبعا لا ينضب، وحبا لا يندثر، وعطاءً لايفنى...
اشتقت إليك يا من ابتدع فن القتال والنضال في زمن السلم... يا من جعل حياته سلسلة
متواصلة من المعارك حتى نحيا نحن بأمان وسلام... يا موطنا للذخيرة نتزوّد منه في
صولاتنا وجولاتنا اليومية دون أن ينفذ... يا جنة تسجد الجنان تحت قدميها... وتفيض
من أحضانها... وتزهر من شفتيها وتهطل من أنفاسها وتفوح من بين يديها... يا
موقدا نضجت أعمارنا على نيرانه... ويا عاما أهدانا ربيعه وأجمل فصوله ليذوي
بخريفه الحزين بصمت...
أمي...
أرسل لك اليوم عروس أشواقي... زركشتُ طرحتها بدموع اللهفة... رسمت ضحكتها
بمداد الحب والحنين الملتهبين في أعماقي...أمسَكَت بيدها باقة من الياسمين
والبنفسج، فلطالما أحببتِ الياسمين أمي، ولطالما شابهت البنفسجَ بقربك أيامي...
بجوارك كانت أحلامي بستان ورد تعانقت فيه سيقان النرجس على أنغام عطائك
وامتناني لك...
أرسل لك اليوم زجاجة عطر مزجتُ رائحتها بخجل في النفس من أخطائي بحقك
وتقصيري تجاهك...غلّفتها بقبلاتي ويقيني من غفرانك وسعة صدرك وكبر قلبك
الحاني...
أرسلت لك اليوم مرآة جديدة ومختلفة... أطّرتها بإطار مخملي زيّنتُه بأهدابي المشتاقة
المتعبة... مرآة أرى فيها نفسي طفلة في ربوع الذكريات، طفلة ترفض وتبكي وتصرخ
وتتشاجر، طفلة لحوحا متطلبة وأنت بالصفح والحب تروي ظمأ العصيان، والابتسامة
على وجهك غديرا لا يتوقف عن الخفقان... أنظر في المرآة مرة أخرى فأراني صبية
متعالية متعجرفة، تصرخ في وجهك وترفض طاعتك وتتهمك بالتقصير وأراك هناك
بالنصح تجودي وبالتفاهم والتروّي تغرقينني في ينابيع المنطق والتبرير...
والآن أمي أنظر للمرة الأخيرة في وجه مرآتي قبل أن أرسلها إليك، أنظر فأرى نفسي
في وحدتي وفي ابتعادي... أبحث عن روحي في وجهك، أبحث عن نبضي في عينيك،
أختنق بعيدا عنك ونفسي جاثمة عند قدميك الطاهرتين رهينة رضاك...
أرسل لك اليوم أمي عقدا من العرفان الأبيض، المطعم بالاحترام والامتنان والتبجيل...
 فلطالما طوّقتني بعقود من الجميل وسلاسل من الحرص وحليّ من الحب...
انتظري أمي هداياي، لأنني سأرسل خيطا من بصيص الفجر وآخر من شعاع الشمس
وثالثٍ اقتلعته من تربة الغسق وأرفقتهم برابع من رحيق الزهر وعقدتهم بخامس من
بريق النجم وآخر من ألق الليل، جمعتهم بخصلة من شعر الشفق ونسجت بهم رداء
الراوي الذي سيروي لك حكاية الحنين، حكاية حبي لك، ودعائي لك، وشوقي لك.
أمي افتحي هداياي وستجدين بطاقةً أرسلتُ فيها الشوقَ جنين... يرضع من ثدي الأمل
في حضن البشرى... حتى ألقاك...
لأغفو على صدرك وتربتي على ظهري، وتمسحي عن جبيني عناء الأيام...
أمي سأرسل لك أحلامي تحتوي على عمري الماضي والآتي...

أحبك أمي...

 








طباعة
  • المشاهدات: 10735
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
19-03-2008 05:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل اقتربت "إسرائيل" ولبنان من التوصل لاتفاق إنهاء الحرب؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم