06-02-2024 08:09 AM
سرايا - أعلن برنامج "جدة التاريخية" بالتعاون مع هيئة التراث في السعودية، الأحد، عن اكتشاف ما يقارب 25 ألف بقايا من مواد أثرية يعود أقدمها إلى القرن الأول والثاني الهجري (القرن السابع والثامن الميلادي) في 4 مواقع تاريخية.
وشملت المواقع التاريخية مسجد عثمان بن عفان رضي الله عنه، والشونة الأثري، وأجزاء من الخندق الشرقي، والسور الشمالي، وذلك ضمن مشروع الآثار الذي يشرف عليه برنامج جدة التاريخية.
وأسفرت أعمال المسح والتنقيب الأثري التي بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن اكتشاف مواد خزفية، وصدفية ومواد معدنية ومواد بناء، بالإضافة إلى عظام حيوانات.
وكشفت الدراسات في مسجد عثمان بن عفان عن المواد الأثرية التي يرجح أن يعود أقدمها إلى القرن الأول والثاني الهجري، وتضمنت المواد المكتشفة في المسجد مجموعة متنوعة من الأواني الخزفية، وقطعا من البورسلين عالي الجودة التي صنع بعضها في أفران مقاطعة "جيانغ شي" الصينية ما بين القرن الـ10 والـ13 الهجري تقريبا (القرن الـ16 والـ19 الميلادي)، إضافة إلى أوعية فخارية تعود -حسب آخر ما وجدته الدراسات- إلى العصر العباسي.
وفي موقع الشونة الأثري، تحدد التسلسل التاريخي للبقايا المعمارية إلى القرن الـ13 الهجري على الأقل (قرابة القرن الـ19 الميلادي)، مع وجود دلائل من بقايا أثرية ترجع تاريخيا إلى القرن العاشر الهجري تقريبا (القرن الـ16 الميلادي)، وفي أعمال التنقيب بموقع الكدوة (باب مكة) تم اكتشاف أجزاء من الخندق الشرقي، الذي من المرجح أن يعود إلى أواخر القرن الـ12 الهجري (أواخر القرن الـ18 الميلادي).
يذكر أن أعمال مشروع الآثار في منطقة جدة التاريخية انطلقت في يناير/كانون الثاني 2020، حيث استهل المشروع أعماله بإعداد الدراسات الاستكشافية، وإجراء مسح جيوفيزيائي للكشف عن المعالم المغمورة في باطن الأرض، في 4 مواقع تاريخية تضم مسجد عثمان بن عفان وموقع الشونة، وأجزاء من السور الشمالي، ومنطقة الكدوة.
ووفق بيانات وزارة السياحة السعودية، تشير الدراسات الأثرية إلى وجود سكان في المنطقة المعروفة الآن بجدة منذ أيام العصور الحجرية، إذ وجدت بعض الآثار والكتابات الثمودية بمواقع شرقي المدينة.
وتعود نشأة جدة إلى نحو 3 آلاف عام على أيدي مجموعة من الصيادين، كانت تستقر فيها بعد الانتهاء من رحلات الصيد بالبحر الأحمر.
أما كونها مدينة، فيرجع بعض المؤرخين تأسيسها لقبيلة بني قضاعة العربية، التي سكنتها بعد انهيار سد مأرب باليمن سنة 115 قبل الميلاد.
ويقال إن أصل تسمية المدينة هو جُدة (بضم الجيم)، وعن سبب تلك التسمية يذكر ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان" أن جدة بن جرم بن قضاعة، أحد مشاهير العرب قبل الإسلام، وُلد في جُدة، وتعني بالعربية شاطىء البحر فسماه أهله بذلك، ثم أخذت المدينة اسمه.
في حين يدافع آخرون عن اسمها جَدة (بفتح الجيم)، أي والدة الأب أو الأم، في إشارة إلى أم البشر حواء التي يُقال إنها دُفنت في المدينة التي نزلت إليها من الجنة، بينما نزل آدم -عليه الصلاة والسلام- في الهند، والتقيا عند جبل عرفة.
أما جِدة فهو النطق الشائع للمدينة على ألسنة أهلها حاليا.
ومع ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، تطورت جدة بشكل كبير كونها بوابة الحرمين الشريفين من اتجاه البحر، وتضاعفت مكانتها عندما اختارها الخليفة عثمان بن عفان عام 647 لتصبح ميناء رئيسيا لمكة المكرمة.
وجدة تسير على هذه السُّنّة إلى اليوم، إذ لا تزال تُعدّ المعبر الرئيسي للحجاج القادمين عبر البحر والجو والبر أيضا في أحيان كثيرة.
ووصف الرحالة المقدسي البشاري في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" جدة بأنها "مدينة آمنة، بيوتها مبنية على الطراز الفارسي، ومكتظة بالأثرياء والتجار، وأزقتها مستقيمة".
وحافظت جدة على مكانتها بوصفها واحدة من أهم مدن العالم الإسلامي طوال حكم الأمويين والعباسيين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين.
وشهدت المدينة تطورا ملحوظا في عهد المماليك الذين حرصوا على تشييد سور يحيط بها لحمايتها والحجاج المسلمين من هجمات البرتغاليين.
وازدادت أهمية جدة مع مرور الزمن حتى أصبحت واحدة من أكبر المدن في الجزيرة العربية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
وفي عام 1869، افتُتحت قناة السويس في مصر، مما مثّل بداية مرحلة جديدة لنمو جدة والمناطق المحيطة بها، خاصة مع ظهور السفن البخارية.
وفي العقود التالية، تطورت جدة ومرافقها لتصبح "البلد" أشبه بالمزار السياحي داخلها، وبقي الإقبال عليها كبيرا، لا سيما مع حرص السلطات على ترميم أزقتها ومساجدها وحوانيتها.
ويجذب الأنظار حرص عمليات الترميم أو إعادة البناء على عدم المساس بالجوانب الثقافية والتراثية والبيئية للمدينة لتقديمها بوصفها "وجهة سياحية عالمية".