19-03-2008 05:00 PM
سرايا -
سرايا – من شاكر الجوهري - التقاء وفدي حركة "حماس" ومنظمة التحرير الفلسطينية في صنعاء برئاسة كل من الدكتور موسى أبو مرزوق الرجل الثاني في حركة المقاومة الإسلامية، وصالح رأفت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الأمين العام لحزب (فدا)، يدعو للتساؤل عن نقاط التقاطع بين المبادرة اليمنية، وزيارة الوزير عمر سليمان مدير المخابرات المصرية لتل أبيب..؟
وبلغة أكثر و ضوحا، يدعو للتساؤل عما إذا كانت المبادرة اليمنية بدأت تحل محل الدور المصري في العمل على حلحلة الملف الفلسطيني المثقل بالأزمات البينية..؟
ابتداء، يتوجب التذكير بأن القاهرة تراجع دورها في إدارة هذا الملف عدة مرات خلال السنتين الأخيرتين، خاصة منذ تم توقيع اتفاق القاهرة بين اغلب الفصائل الفلسطينية على قاعدة اعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير، ودخول حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي إليها.
التراجع الأكثر اهمية في هذا المضمار تمثل في توقيع محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، اتفاق مكة العام الماضي، بعد أن عجزت كل الجهود المصرية في اقناع المسؤولين الفلسطينيين باستئناف الحوار.
يومها لم تتحسس فقط القاهرة من ذلك، وإنما شاركتها دمشق شيئا من هذا التحسس، وإلى حد تطلب الإعلان فلسطينيا (حماس) أن التوافق على نقاط اتفاق مكة تم بفضل الجهود السورية، لكن مكة كانت المسرح الذي شهد اخراج الإتفاق إلى حيز العلن.
يومها تساءل المراقبون، وماذا عن الدور المصري..؟
هل فشل عمر سليمان في تحقيق نقاط التقاء بين الفصيلين الأكبر في الساحة الفلسطينية..؟
الرد على هذا السؤال تمثل يومها بطرح تساؤل آخر أكثر صراحة، ووضوحا: وهل سعى سليمان بشكل جدي من أجل تحقيق المصالحة البينية الفلسطينية..؟
الثابت أن القاهرة من خلال سليمان سعت من أجل تحقيق مصالحة بين عباس و"حماس"، ولكن متأخرة عن التوقيت المناسب..فهي بعد أن سيطرت "حماس" على قطاع غزة، وبعد أن بدأت تفقد الأمل في امكانية اسقاط سلطة "حماس"، بدأت تبذل جهودا لإتمام المصالحة بين الفصيلين المتنافسين..لكن عباس رد يومها بلغة لا تقبل تأويلا: هاتوني بموافقة اميركية كي احاور "حماس"..؟!
وهو ما فسر يومها على أنه استقواء بالأميركان على مصر من قبل الرئيس الفلسطيني، وعلى حساب الدور المصري القيادي التاريخي في العالم العربي..!
الواقع أن القاهرة بدأت تغير تكتيكها لجهة التعامل مع الملف الفلسطيني فقط حين أدركت أن "حماس" باتت قوية بما يكفي عسكريا وشعبيا للبقاء على رأس السلطة في القطاع، وأن اسرائيل غير قادرة عمليا على فعل شيئ يعيد عجلة التاريخ في القطاع إلى ما كان عليه الحال قبل 14 حزيران/يونيو 2007.
قبل ذلك كان الموقف المصري شديد الإختلاف..
أولا: بداية لقد أجريت الإنتخابات التشريعية الفلسطينية في الخامس والعشرين من كانون ثاني/يناير 2007 بضغط مصري اميركي مشترك مبني على تقديرات تؤكد أن "حماس" لن تحظى بأكثر من ثلاثين بالمئة من مجموع أصوات الشعب الفلسطيني، وما يوازيهم من مقاعد في المجلس التشريعي.
موقف القاهرة حدد في ضوء تقارير تقدير الموقف التي وضعتها المخابرات العامة المصرية، التي كان لها مكتب كبير في غزة بالذات، يقوم بجمع وتحليل المعلومات. وقد توصلت تقارير سليمان إلى أن فوز "حماس" بهذه النسبة من الأصوات يعني تطبيع موقف الحركة حيال التسوية السياسية، وإدماجها فيها.
وبذا، فقد تم تحميل عمر سليمان مسؤولية النتيجة المخالفة التي أسفرت عن فوز "حماس" بأغلبية ساحقة في تلك الإنتخابات.
ثانيا: اخفاق كل الجهود التي بذلها سليمان لإسقاط حكومة "حماس" قبل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بعد اتفاق مكة، وقد تمثلت هذه الجهود في:
1. الضغط على الفصائل الفلسطينية المختلفة للإمتناع عن المشاركة في حكومة "حماس" الأولى، والعمل في ذات الوقت على عرقلة مهام الحكومة التي شكلتها "حماس" بالكامل، واتهام "حماس" بالإنفراد بالسلطة..توطئة لإسقاط الحكومة.
2. وقف رئاسة السلطة صرف رواتب العاملين في قطاع غزة.
3. تحريض العاملين في السلطة على التظاهر والإضراب عن العمل، بما في ذلك العاملين في الأجهزة الأمنية.
4. وضع شروط تعجيزية على "حماس" لقبول الفصائل الفلسطينية الأخرى المشاركة في حكومة وحدة وطنية، ومن ذلك القبول بإشتراطات اللجنة الرباعية الشهيرة (الإعتراف بوجود اسرائيل، الموافقة على قرارات الشرعية الدولية، الموافقة على قرارت الشرعية العربية، والموافقة على الإتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير واسرائيل، وما إلى ذلك).
ثالثا: تقديم الدعم التسليحي والتدريبي للقوات التابعة لمحمد دحلان بهدف التمكن من حسم الموقف عسكريا ضد "حماس" وإطاحتها عسكريا من السلطة. وقد تواصل هذا الجهد حتى بعد توقيع اتفاق مكة، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية لتي نظر لها باعتبارها مجرد هدنة يتم العمل خلالها على تعزيز القوات المناط بها حسم الموقف عسكريا في ساعة الصفر.
في هذا الإطار تم وضع خطة الجنرال الأميركي كيت دايتون، التي انفردت "الوطن" بنشرها في حينه..وهي ما فتح الآفاق أمام "حماس" كي تضع خطتها البديلة موضع التنفيذ، وصولا إلى الحسم العسكري في قطاع غزة، وهو ما أدى تلقائيا إلى سقوط حكومة الوحدة الوطنية.
رابعا: ثلاث نقاط سلبية كبيرة سجلت على سليمان فلسطينيا، اتبعها بالمراهنة على تحقيق الهدف من خلال فرض الحصار الإقتصادي والتجويع على اهالي قطاع غزة، المتواصل حتى الآن..كانت نتيجته اقتحام الفلسطينيين معبر رفح، وكذل الجدار الشائك الذي كان يفصل بين القطاع والأراضي المصرية، في كانون ثاني/يناير الماضي.
ومع اقتحام الحدود، تحرك الشعب المصري داخل الحدود منتفضا ضد سياسات حكومته التجويعية للشعب الفلسطيني..وكادت خطة سليمان أن تنقلب سلبا على النظام في مصر.
خامسا: ويواصل قائد فلسطيني التعداد وصولا إلى أن سليمان متورط كذلك في محاولة الإقتحام العسكري الإسرائيلية الأخيرة لقطاع غزة، والتي انتهت إلى الفشل، وإن كان وجد أنه من غير المناسب زيارة اسرائيل أثناء العدوان.
ما الحل إذا..؟
لم يتبق غير اللجوء للحوار الذي كان مفترضا أن يكون هو البداية.
ولم يكن معقولا أو ممكنا أن يتم الحوار برعاية ذات الطرف الذي لم يترك من جهده جهدا لإفشال وإسقاط تجربة "حماس"، فكانت المبادرة اليمنية، بعد أن تسربت معلومات تؤكد أن واشنطن غدت موافقة على محاورة "حماس"، وبذا رفع الحرج عن عباس..!
هل يمكن أن يتوصل حوار صنعاء إلى حل..؟
ليس بالضرورة أن يكون حلا نهائيا وكاملا وناجزا..ذلك أن الزمن يلعب دوره في هذا المجال..
يقوم جوهر المبادرة اليمنية على إعادة مؤسسات السلطة في غزة لسلطة عباس، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة. وهذا ما ظل عباس يصر عليه طوال الوقت الماضي.
لكن موافقة "حماس" على ذلك الآن، هي غير رفضها السابق له، إذ يجب أن نأخذ بعين الإعتبار ما ورد في حوار صحيفه الوطن القطريه الأخير مع الدكتور موسى أبو مرزوق الرجل الثاني "حماس"، من أن الموافقة على اجراء انتخابات مبكرة الآن يعني في الواقع، ومن الناحية العملية، إجراء الإنتخابات الرئاسية على الأقل في موعدها الدستوري نهاية 2008..!
فإجراء الإنتخابات يحتاج إلى إعداد واستعداد، وذات الأمر ينطبق على الإنتخابات التشريعية، وليس هناك لدى "حماس" ما يحول أو يمنع اجرائها بالتزامن مع الإنتخابات الرئاسية، وقبل موعدها المقرر بعد عام..ما دامت "حماس" واثقة من أنها ستفوز بمنصب رئيس السلطة في هذه الإنتخابات.
ولكن، هل تضمن "حماس" نزاهة الإنتخابات..؟ وهل تضمن عدم تزويرها..؟
الإجابة تكمن في شقين اساسين:
الأول: أن استطلاعات الرأي تؤكد فوز "حماس" في الإنتخابا ت الرئاسية، وآخر استطلاع نشرت تفاصيله أمس الأول يقول إن اسماعيل هنية سيحصل على 47 بالمئة من أصوات الناخبين الفلسطينيين، مقابل 46 بالمئة لعباس. في حين أن مروان البرغوثي سيفوز بالإنتخابات في حال خوضه لها. ولكن هل تطلق اسرائيل سراح البرغوثي..؟
الإجابة سربتها "حماس" مؤخرا وهي تنصب على أن عباس يطلب من اسرائيل عدم اطلاق سراح البرغوثي..!!
ثم ماذا لو أن عباس ظل مصرا على عدم الترشح لولاية ثانية..؟ من سترشح "فتح" في هذه الحالة..؟
المنشور والمعلوم أنها سترشح محمد راتب غنيم (أبو ماهر) الرجل الذي لم يسمع بإسمه أغلب الشعب الفلسطيني..!
الثاني: أن خوض "حماس" لانتخابات مبكرة لن يجعلها تخسر شيئا، فسلطة عباس تستطيع أن تزور الإنتخابات في الضفة الغربية إن قررت ذلك، لكنها لن تستطيع التزوير في قطاع غزة الذي يخضع لقوة "حماس" العسكرية. فإن زورت سلطة رام الله الإنتخابات في الضفة، يبقى حال قطاع غزة كما هو، وتظل سلطة "حماس" في القطاع وسلطة "فتح" في الضفة..!
وهذا بالطبع ما لا يتمناه أحد.
وبمعنى آخر فإن هناك من بات يراهن على أن ضميرا قد صحا في رام الله، خاصة وأن كل جلسات المفاوضات التي حدثت مع اولمرت وطاقم المفاوضات الإسرائيلي بعد مؤتمر أنا بوليس لم تحقق تقدما يذكر.
إلى ذلك، فإن موقف واشنطن من الحوار مع "حماس" أصبح مختلفا، بعد أن اقتضى التخطيط والإستهداف الإميركي لإيران، تهدئة الوضع الفلسطيني، خاصة وأن كل جهود افشال تجربة "حماس" أنتجت واقعا معاكسا.
وقد أثبتت الأيام أن واشنطن مستعدة لمراجعة حساباتها في ضوء ما تمليه مصالحها..فهي وافقت، بل وضغطت على عباس لإجراء انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، والسماح لـ "حماس" بخوضها، بما في ذلك في القدس..وها هي مصالحها تقتضي الآن محاورة "حماس" من خلال المبادرة اليمنية، التي التقطت الفرصة السانحة، خاصة وأن الرئيس علي عبد الله صالح كان من أوائل القادة العرب الذين طرحوا مبادرة حوارية في الساحة الفلسطينية، حين كانت واشنطن تغلق الأبواب دون الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني..
المهم، أن فرص مدير المخابرات المصرية في الخلافة باتت تتآكل، وتتراجع لمصلحة تكريس جمال إبن الرئيس مبارك، رئيسا مقبلا لمصر.
المسألة ليست متصلة فقط بدور سليمان الفلسطيني، لكنها تتجاوز ذلك إلى خسارته ملفين سياسيين حيويين آخرين كان يشرف عليهما هما:
الأول: الملف الليبي، الذي أصبح في اليد الأميركية بالكامل، بعد أن نجح عبد الرحمن شلقم وزير خارجية ليبيا في تخويف العقيد القذافي من مصير صدام حسين، فأرسل كل ملفات التصنيع النووي وغيره إلى فلوريدا، واصبحت في حوزة الأجهزة الأمنية الأميركية..!
وبذا خسرت مصر دور الوسيط بين واشنطن وطرابلس..!
الثاني: الملف السوداني، حيث بعد أن كان السودان تاريخيا ساحة خلفية مصرية، أصبح ممنوعا على مصر التدخل في شؤونه، وتولت واشنطن هذا الملف بنفسها، دونما حاجة أيضا للدور المصري المساند.
وعودة إلى الملف الفلسطيني، فإن سليمان اتخذ موقفا صارما ضد سلطة وحركة "حماس"، وبذل كل جهده لإسقاطها لسببين رئيسين هما:
الأول: الخلاف الإستراتيجي بين القاهرة و"حماس" على التسوية السياسية مع اسرائيل، ورفض حركة المقاومة الفلسطينية الإعتراف بها.
الثاني: ما يثيره نجاح تجربة "حماس" في الحكم من مخاوف تتعلق بسعي الإخوان المسلمين إلى ازدواج تجربتها في مصر، وهم الذين نجحوا في ايصال ثمانين نائبا لمجلس الشعب المصري، بالرغم من كل ما شاب الإنتخابات.
من كل ذلك نخلص إلى أن زيارة عمر سليمان إلى تل أبيب، التي قرر تأجيلها مؤخرا بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، هي محاولة للإلتحاق بالركب، وتعويض شيئ من الخسائر المشار إليها قبل أن يفوت الأوان في صنعاء..وذلك عبر البحث عن امكانية تجديد التهدئة بين "حماس"، ومختلف الفصائل المقاومة مقابل وقف الإعتداءات والإقتحامات والإغتيالات الإسرائيلية، وربما كذلك رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني.
سليمان إن نجح في ذلك هذه المرة، مستفيدا هو الآخر من الضوء الأخضر الأميركي، فلربما يستعيد شيئا من الأسهم التي خسرها خلال السنة الماضية.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-03-2008 05:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |