08-02-2024 08:10 AM
سرايا - يشعر خبير الآثار الفلسطيني فضل العُطُل بكثير من القلق على مصير آلاف القطع الأثرية، التي جُمعت على مدار سنوات طويلة، بعد أن سيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي على المخزن الذي توجد فيه تلك الآثار، التي تعود لعصور مختلفة.
ويقضي فضل غالبية وقته في خيمته التي شيّدها على شاطئ بحر مدينة رفح، أقصى جنوبي قطاع غزة، بعد أن نزح من منزله الكائن في شمالي قطاع غزة، بفعل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وكان فضل الذي يُعدّ من أبرز العاملين في التنقيب عن الآثار وترميمها، يدير المخزن الذي يتلقى الدعم من "المدرسة الفرنسية للآثار" بالقدس.
لكن العدوان الإسرائيلي أجبره على النزوح بعيدا عن المخزن، وقطعه الأثرية الثمينة.
وفي حديث صحفي أبدي غضبه من الأنباء التي تحدثت عن سيطرة إسرائيل على المخزن، ووصول نائب رئيس هيئة الآثار الإسرائيلية إلى غزة، لفحصها.
وقال "هذه الآثار ليست للفحص الأثري من أشخاص آخرين؛ لأنها ملك الشعب الفلسطيني، وهي قطع أثرية حقيقية عُثر عليها أثناء التقنيب ووُثّقت وفُرزت ونُظّفت، وكل شيء في المخزن على ما يرام ومطابق للقواعد العلمية الأثرية".
وكان مدير هيئة الآثار الإسرائيلية إيلي اسكوسيدو قد نشر في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، على حسابه في إنستغرام مقطع فيديو يظهر فحص فريق يرأسه نائبه، للمخزن الواقع في مدينة غزة (شمال).
وحذف اسكوسيدو المقطع بعد ساعات عدة، وكتب توضيحا قال فيه إنه طلب من جيش الاحتلال الإسرائيلي الحفاظ على القطع الأثرية في مكانها.
وحسب الخبير الفلسطيني فإن جيش الاحتلال يوجد حاليا في المخزن.
وشاهد فضل مقطع الفيديو الذي عرضه اسكوسيدو، وقال إنه يعود للمخزن الذي يديره.
وأضاف "رأينا المخزن قبل يومين (عبر الصور)، ونتمنى أن نرى كل القطع في مكانها بعد خروج الجيش".
وذكر أن القطع الأثرية تعود إلى حقبات زمنية تتراوح ما قبل 3 آلاف سنة قبل الميلاد، إلى القرنين السابع والثامن الميلادي إلى بداية العهد الإسلامي المبكر.
ويضيف "هذه قطع مهمة لأنها تدل على تاريخ فلسطين، إنها قطع أثرية تاريخية مدنية، وليست عسكرية، ولا تسبب خطرا على أي شخص كان".
وحول كيفية جمع هذه القطع قال "حصلنا عليها أثناء التنقيب، أو بطريقة الصدفة أثناء العمل، غزة مدينة تاريخية وأين ما نحفر نجد قطعا أثرية".
وأشار إلى أن المخزن يحتوي على كثير من الجِرار التي تعود للعصر البيزنطي، واسمها العلمي (جرة غزة)".
وطالب بضرورة الحفاظ على محتويات المخزن، ومنع إسرائيل من الاستيلاء عليها كونها "ملكا للشعب الفلسطيني، وتحكي عن تاريخه وأرضه".
ودعا منظمة اليونسكو والمؤسسات المهتمة بالإرث الحضاري إلى "حماية هذا المكان وجميع المواقع الأثرية الفلسطينية من التدمير الإسرائيلي".
وتطرق الخبير الفلسطيني إلى تدمير جيش الاحتلال لكثير من المعالم الأثرية في البلدة القديمة بمدينة غزة؛ مثل: "متحف قصر الباشا، والمسجد العمري، وحمّام السمرة، وبعض المواقع الأخرى التي دُمّرت بشكل مباشر، أو غير مباشر".
كما ذكر أن هناك العديد من المواقع الأثرية في قطاع غزة، معرضة الآن للاندثار بسبب "عوامل التعرية"، وتحتاج إلى صيانة عاجلة.
ولم يستبعد فضل أن تقدم إسرائيل على سرقة محتويات المخزن، نظرا لوجود كثير من السوابق في هذا المجال.
وقال "سرقة وتهريب الآثار غير موجود في غزة؛ لأنها مدينة محاصرة ومغلقة، لكن سرقة الآثار تتم من إسرائيل".
وأضاف موضحا "أثناء التنقيب عن المقبرة الكنعانية في دير البلح (في حقبة السبعينيات من القرن الماضي) سُرقت توابيت وقطع أثرية، وهي موجودة حتى الآن في إسرائيل، ومكتوب عليها أنه عُثر عليها في دير البلح".
كما أن تدمير جيش الاحتلال لكثير من المواقع الأثرية بغزة، خاصة متحف قصر الباشا الذي يضم كثيرا من القطع الأثرية، يزيد من شكوك فضل العطل في سيطرة إسرائيل على مقتنيات المخزن الذي يديره.
ويضيف "كل شيء وارد، خاصة أن إسرائيل دمرت متحف قصر الباشا الذي يحتوي على آثار، وكل شيء وارد أن أرجع لغزة وأجد القطع الأثرية (في المخزن)، أو لا أجدها".
ويتابع "إن شاء الله أرجع وألاقيها، وأعيد توثيقها والإشراف عليها مرة أخرى (..) لكن إذا لم تكن موجودة سنأخذ الإجراءات اللازمة بحق حماية الآثار".
وحذّر من أن سرقة إسرائيل، أو تدميرها لمقتنيات المتحف، سيعدّ خسارة كبيرة للثقافة العالمية.
وأضاف "لو اندثرت هذه الآثار، فهناك خسارة كبيرة جدا؛ لأننا كنا نعمل بطريقة علمية وفنية كاملة مع التوثيق والدراسة.. إذا اندثرت فهذه خسارة كبيرة للماضي والحاضر، وخسارة كبيرة للثقافة، ولعلم الآثار على مستوى العالم".
وختم الخبير الفلسطيني حديثه بدعوة "كل المثقفين في العالم إلى العمل على حماية هذه الآثار، وتجنيبها ويلات الصراع".
وكانت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية قد استنكرت اقتحام جيش الاحتلال لمخزن الآثار، وقالت في بيان أصدرته نهاية الشهر الماضي، إن الاقتحام "انتهاك خطير وتعدٍّ على التراث الفلسطيني، ويخالف الاتفاقيات الدولية؛ كاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 واتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح".
وطالبت الوزارة كل المؤسسات والمنظمات الدولية بالتدخل الفوري "لوقف العدوان وحماية تراث فلسطين الوطني، الذي يعدّ جزءا من تراث الإنسانية".