11-02-2024 08:29 AM
بقلم : بلال حسن التل
سامحك الله اسراء يابنيتي الحبيبة، ما اقسى السياط التي جلدتني بها لحظة فراق امك للحياة رحمها الله، وانت تطلبين مني المستحيل، الذي يعجز عنه كل من في الكون من مخلوقات حتى لو اجتمعت في خندق واحد، فكيف بوالدك الذي وقف عاجزا لأول مرة منذ ثلاثة عقود عن تلبية طلب لك، وعذره أنه أمام الموت يا «بنيتي» يقف كل من في السموات والأرض عاجزا مهما بلغت قدراته وامكانياته ومكانته، وأمام الموت لا فدية ولا فداء، فأنا أعلم يا بنيتي مقدار حبك وحب إخوانك لوالدتكم، وأنه لو كان في قدرتكم فداؤها لافتداها أحدكم، لذلك وصف الموت بأنه هادم اللذات ومفرق الجماعات، وآية الله في قهر عباده.
أمام الموت يا بنيتي يتهاوى الأباطرة والسلاطين، والوزراء والغفراء، فيتساوون في حتمية الانتقال إلى الدار الآخرة عبر بوابة الموت، وإن تبادلت بعدها رتبهم ومواقعهم، فيصبح غفير أكرم عند الله وأقرب من وزير، ويصير جندي أقرب إلى ملك السموات والأرض أجمعين من جنرال، ويسكن راعي غنم قصورا أعظم من قصور الفراعنة والأباطرة والسلاطين.
الموت يا بنيتي نهاية كتبها الخالق على خلقه أجمعين، لم ولن يستثني منهم أحدا.
الموت يا بنيتي حقيقة تتلاشى أمامها كل الإمكانيات، والواسطات والشلل والمحسوبيات والرتب والمراتب. ولا يتناسى هذه الحقيقة إلا جاحد أعمى البصر والبصيرة.
والموت يا بنيتي جرس تنبيه يقرع في آذاننا آناء الليل وأطراف النهار، خاصة في ظل ثورة الاتصالات التي صارت تنقل إلينا صورا مختلفة من الموت وحجمه، حيث يموت أناس لا يجدون من يدفنهم، فحمد الله أننا نجد من يغسلنا ويكفننا ويصلي علينا، ويدعو مستغفرا لنا، ويذكرنا بأن هذه الحياة الدنيا ليست إلا محطة عبور إلى الحياة الأبدية بعد الموت.
محطة العبور هذه يا بنيتي هي لحظة تغير في حياة الميت وأهله، والتغير يا بنيتي صعب في بداياته حتى لو كان للأفضل.
وإذا كان الموت محطة تغير فأن الحياة الدنيا قاعة امتحان من أحسن الإعداد له نجح وفاز، خاصة إذا كان إعداده للامتحان عملا صالحا يتعبد فيه الله، ويفيد فيه خلق الله: حسن تربية وإعداد لذرية، وبرا بوالدين، وصلة رحم، وإعمار للأرض وخدمة لعيال الله من خلقه، عندها ستكون جائزة النجاح خلودا في جنات النعيم.
وقاعة الامتحان هذه يا بنيتي لا غش فيها، ولا أسئلة مسربة ولا واسطة ولا محسوبيات ولا رتب، فليس فيها للإنسان إلا ما عمل، وأفضل عمل الإنسان هو العمل الذي لا ينقطع، بموته ومنه ولد صالح يدعو له، فادعوا أنت واخواتك لوالدتكم بالرحمة وأكثروا من الاستغفار لها، وظلي مطمئنة لمغفرة الله ورحمتة، ومن صور رحمة الله، إن الموت مصيبة تبدأ كبيرة ثم يستسلم الإنسان المؤمن لقدر الله فيخف الم الفراق، ومن صور رحمة الله مايطمئن قلبي مما أشعره من حب ابنائي وبناتي لبعضهم، وحفظ كل واحد منهم لغيبة سائرهم، حفظكم الله ورحم أمكم.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-02-2024 08:29 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |