18-02-2024 08:50 AM
بقلم : د. عدلي قندح
يصنف الأردن من قبل المؤسسات الدولية على أنه دولة متوسطة- منخفضة الدخل، اقتصادها صغير، مفتوح، محدود الموارد الطبيعية، وخاصة المُكتشف والمستغل منها، مترابط مع الإقتصاد العالمي، ولديه القدرة على السرعة في التكيف وامتصاص الصدمات.
فقد تعرض الاقتصاد الأردني لعدة صدمات: اقتصادية، ومالية، ومصرفية على مرّ تاريخه، كما تأثر بعدَّة صدمات سياسيَّة وعسكريَّة وأمنيَّة وصحيَّة، كان لها آثارٌ اقتصاديةٌ ومالية. لم يمر ويخرج الأردن من أزمة أو صدمة إلا وكان يدخل بأزمة أخرى أقوى منها. وبعض هذه الأزمات أثَّرت بشكلٍ كبيرٍ وواضحٍ على بنية وهيكل الإقتصاد الوطنيّ، وكان تأثير بعضها الاخر هامشياً، بينما غيّر بعضها الآخر تركيبة الأردن الديمغرافية. وقد تمكَّن الإقتصاد الأردني من التصدي لتلك الصدمات والأزمات والخروج من تبعاتها بدرجات متفاوتة. ولا يزال تأثير بعضها الآخر ماثلٌ على هيكل الإقتصاد الأردني وبعض قطاعاته حتى يومنا هذا.
تحدّت هذه الصدمات مرونة الاقتصاد وقدرته على التكيف، وكشفت عن تحديات وفرص لتحقيق النُّموِّ المستدام. ومع ذلك، تركت الأزماتُ المتتالية، وعدم الاستقرار الإقليمي، ومؤخرًا الوباء العالمي، آثاراً اقتصادية صعبة، حيث إرتفعت معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة، وبعض هذه الأزمات أثرت أيضًا على معدلات التضخم ورفعتها إلى مستويات تجاوزت حالة الاستقرار النقدي المألوفة في الأدبيات الإقتصادية. كما أدَّى بعضُها إلى زيادة العجز التجاري والعجز في الموازنة العامة، مما زاد من مستويات المديونية الحكومية لتتجاوز الحدود المسموح بها منذ سنوات.
على الرُّغْم من هذه التحديات، شهد الاقتصاد الأردني تطورات ملحوظة خلال السنوات العشر الماضية، سواء من حيث الإنتاج والتشغيل أو الانفتاح على العالم الخارجي. كما شهدت القطاعات الاقتصادية تغييرات هيكلية جذرية في مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي. وأظهر الاقتصاد الأردني قدرته على التكيف مع الصدمات الخارجية والداخلية، وقد أظهر الأردن قدرته، في معظم الحالات، على إدارة الأزمات بفعالية وكفاءة.
وقد شهد الاقتصاد الأردني تحولًا تدريجيًا ليصبح اقتصادًا خدميًا بالدرجة الأولى. تطور القطاع الحكومي وزيادة دورَه الاقتصادي ساهما في تعزيز دور قطاع الخدمات. يُشَّغِل قطاع الخدمات اليوم أكثر من ثلثي العمالة في الاقتصاد الوطني ويسهم بنسبة مماثلة تقريبًا في الناتج المحلي الإجمالي. يشير ذلك إلى تطور الاقتصاد الأردني نحو تنويع القطاعات وزيادة أهمية القطاعات الخدمية في الاقتصاد الوطني.
لم يكن الإقتصاد الأردني بعيداً عن التطورات الإقتصادية الإقليمية والعالمية بسبب انفتاحه على الإقتصاد العالمي من خلال التجارة الخارجية والإستثمار الأجنبي المباشر، إضافة إلى أثر تحويلات العاملين الأردنيين في الخارج والتي تزايدت بشكل كبير مع تزايد العمالة الأردنية في الخارج.
تأثير الأزمات والصدمات على الاقتصاد الأردني لا يمكن تجاهله، إذ يعتمد الاقتصاد بشكل كبير على العوامل الخارجية والاستقرار في الساحة الإقليمية والعالمية. لذا، يتوجب على المراقب أن يتابع عن كثب كيفية تأثير هذه الأزمات والصدمات على تنفيذ الخطط والإستراتيجيات والسياسات الاقتصادية الوطنية، وكيف يمكن لتلك الصدمات أحيانًا أن تجبر بعض الخطط على التعثر والانحراف عن مسارها المخطط له مسبقًا، مما يضطر صاحب القرار إلى إعادة التفكير وإعادة هيكلة الأولويات. ومن ناحية أخرى، يمكن أن تكون هذه الصدمات فرصة لتطوير استراتيجيات جديدة وتحسين القدرة على التخطيط والاستعداد لمواجهة التحديات الصعبة.
كانت الرحلة عبر تاريخ الأردن الاقتصادي منذ عام 1921 حتى 2022، في الكتاب الذي أصدر طبعته الأولى، مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي، الأسبوع الماضي، وكان لكاتب هذه السطور شرف تأليفه، تعجُّ بالتِّحديات والصدمات والأزْمات، وفي الوقت نفسه تشهد إصراراً قوياً ومقاومة شديدة وقدرة على التكيف وعزيمة صلبة.
طوال هذه الفترة، تجاوز الاقتصاد الأردني العديد من الأزمات، بدءًا من الاضطرابات الداخلية وصولاً إلى النزاعات الإقليمية والأزمات العالمية. نجح بقوة وإصرار في التغلب على كل تلك التحديات والصعوبات، وشق طريقه نحو المستقبل على أرضية قوية، بفضل رؤية قيادته الحكيمة وروح شعبه الصلبة.
هذه قصة إقتصاد تطور وتبوأ مكاناً مهماً في عالمٍ متغيرٍ بسرعة، تُجسِدُ إصرار الوطن بجميع مكوناته الواعية والمتماسكة لتحقيق التقدم وبناء مستقبل مزدهر.
نقرّ بأن الطريق إلى الإستقرار والنمو الإقتصادي مملوء بالنجاحات والتحديات على حد سواء. الرحلة مستمرة، والدروس التي نتعلمها من تاريخ الإقتصاد الأردني لا تقدر بثمن وتشكل مُرشدًا حينما يواجه الأردن التحديات المستقبلية دائمًا بروح الصمود للتغلب على ما قد ينتظره في المستقبل.
إن الأردن بمؤسساته السياسية وقيادته الرشيدة يظل مثالًا يُحتذى به للتحدي والصمود في وجه التحديات الاقتصادية والسياسية. وتعمل الدولة الأردنية بجدية على تطوير استراتيجيات إقتصادية وإجتماعية تسهم في تحقيق الاستقرار والنمو المستدام. كما أن الإقتصاد الأردني يعكس قدرته على الاستجابة للتحديات والأزمات بفعالية، حيث تظهر قدرته على التكيف والتعامل مع الصدمات بحكمة وعزيمة. حمى الله الأردن.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-02-2024 08:50 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |