20-02-2024 09:42 AM
بقلم : سارة طالب السهيل
كلما أرى مشاهد القتل والتدمير والتخريب والتهجير للأبرياء من أوطانهم، كلما أجد اغتيال الأطفال حديثي الولادة والرضع، أو تجارة الأعضاء البشرية أو الغش في البيع والشراء، كلما أجد الغني يزداد ثراء والفقير يزداد فقرا، وتهافت الدول الكبرى على كعكة عالمنا العربي بتمزيق دولها وزرع الفتن في صفوف شعوبها، وانتشار البدع التي تضيع أدياننا السماوية، عندما تنتشر الجماعات الإرهابية باسم الدين، وينتشر الخوف مع التغير المناخي، أجد همّا وحزنا وظلما.
فلم نعد نشعر بلذة العيش فانتشار الكره والشر والجريمة بين الأفراد والجماعات والمؤسسات حتى مخططات الدجال لتنفيذ المليار الذهبي وزرع الفتن بحجة اختلاف الدين أو المذهب أو الفكر والرأي وتفريق الناس تدور بي الدنيا وأدوخ بحثا عن الأسباب. فلا أجد أمامي
مبررا منطقيا لما نعيشه سوى موت الضمير، ذلك السر المكنون الذي فطر الله تعالى بها الفطرة الإنسانية، وجبل بها كل بني آدم منذ بدء الخليقة. فموت الضمير يعد بطلا رئيسيا لكل الأزمات والكوارث وتهديد السلم والأمن الاجتماعي والنفسي، فهو وراء الاستغلال والنفاق والخيانة وتوظيف الدين لأغراض دنيوية رخيصة وهو سبب ارتكاب الجرائم كلها ووحشية الإنسان.
بينما الضمير الإنساني الحي هو الناصح الأمين لكل سلوك بشري، فهو محكمة لا تحتاج
لشهود ولا قضاة؛ لأن أحكامه نابعة من القلب وهو خفي بداخلنا مضمر، الضَّمْرُ في اللغة أي: الخَفِيُّ أَو المُخْفَي.
لكنه كضوء الشمس يمدنا بالحيوية والانطلاق والطاقة والحياة، وكالبدر المنير ينير ظلمات الدياجي، وبه تتحقق انسانيتا وبدونه نتحول لغابة يفترس فيه القوي الضعيف بلا رحمة ولا هوادة كما نعيش عالمنا اليوم المتوحش.
ويرى علماء النفس في الضمير الإنساني جهازا نفسياً داخل الإنسان يتأثر بتقييم الفرد لنفسه أو تقييم الآخرين له، ويكون هذا التقييم للشخصية كلها.
الضمير من المنظور الديني الضمير في الكتاب المقدس، بطبيعته غريزة روحية تُفرِّق بين الخير والشر بجلاء وبسرعة أكثر من الذهن. ومَن يستمع لصوت ضميره لا يندم قط، أو يخجل من سلوكه.
يُسمَّى الضمير في الكتاب المقدس”القلب». وفي العظة على الجبل شبَّه يسوع المسيح.
الضمير بالعين، لأن الإنسان يُقيِّم بها حالته الأخلاقية، إذ قال: «سراج الجسد هو العين».
وفي المفهوم الإسلامي، فإن الضمير هو النفس اللوامة التي تلوم صاحبها إذا أخطأ في حق الرب والعباد، فيسارع إلى التوبة والندم وإصلاح ما أفسده كي يتطهر وتزكي نفسه وتصفو.
فالضمير هنا هو تزكية النفس وتطهيرها من الرذائل وكما يقول الله في محكم كتابه:
(وَنَفس وَمَا سواها * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَىهَا * قَد أَفلَحَ مَن زَكَّىهَا * وَقَد خَابَ مَن دَسَّىهَا * (الشمس ١-١٠)
أي أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ، أَيْ: بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَهَّرَهَا مِنَ الْأَخْلَاقِ الدَّنِيئَةِ وَالرَّذَائِل، وَقَدْ خاب مَنْ دَسَّاهَا
أَيْ: دَسَّسَهَا، أَيْ: أَخْمَلَهَا وَوَضَعَ وبعد عن الحق حتى رَكِبَ الْمَعَاصِيَ وَتَرَكَ طَاعَةَ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
لذلك جاءت دعوة نبينا المصطفى (اللهم آت نفسي تقواها وزكها، أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها)، أي طهرها وهذبها واحفظها من الغفلة، ومن الوقوع في براثن الظلم والظلمات.
من هذا المنطلق الإسلامي، فإن الضمير هو سر داخلي أودعه الله داخل الإنسان يستطيع به التمييز بين الصح والخطأ، وبين الحلال والحرام، وبين النور والظلام فبعض الناس
عندما يظلمون يشعرون بلوم لأنفسهم، لأن لديهم ضميراً، والبعض الآخر يولد بضمير، ولكنه يقتله حتى يُصبح بلا ضمير.
فالضمير يقود صاحبه للخير، ويبعده عن الشر كما في حديث وابنة ابن معبد الذي سأل الرسول محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- عن البر والإثم فقال له: «يا وابصة، استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب.
اللوامة.
التأنيب والموت
فكل بني البشر مولود بفطرة الضمير، مما يجعله يستغفر ويتوب عن ذنب السرقة مثلا الأول بعد أن ألمه ضميره، ويتمنى أن لا يكرر سرقته، ويظل الضمير حيا صوته عالياً داخلنا محذرا لنا مهما حاولنا إسكاته إلا إذا تعمد الإنسان موته بتكرار الأخطاء والعدوان على العباد–فيألف الإنسان الذنوب، و يعتدادها فيموت الضمير، ويكف عن التأنيب.
برأيي إن الضمير هو صوت الله الخفي فينا يوجعنا عندما نظلم ويغبطنا عندما نعطي كل ذي حق حقه، ونربت بيدنا على اليتيم، ونعطي المسكين ونعطف على الضعفاء، ونرحم الحيوان ونحارب قوى الشر ومنع الاحتراب، وننشر السلام ونقيم العدل، ونتراحم ونتحاب معا، ونزكي أنفسنا بكل عمل صالح بلا تكبر وعلو؛ مما يجعلنا أهلا للخلافة على الأرض.
فالإنسان قوته النفسية والروحية من مصدر الضمير الكامن فيه، فيعيش في جنة على الأرض إذا استمع لصوت ضميره، ويعيش في سجن وشقاء ونار الحياة إذا أمات هذا الضمير، ويا حظه السعيد من اتخذ ضميره صديقه الوفي يرشده وينير دربه على الدوام ووقتها يشعر براحة بال مهما اهتزت الجبال، وتصحرت الأراضي وجفت الينابيع من حوله فهو في سكينة ورضا وطمأنينة منتظرا الفرج من رب البرية.
ولكل من يؤمنون بالعقل والمنطق على أهميتهما، أقول لهم أن المنطق قد يقودنا إلى الخطأ في بعض الحالات وتدمير البشرية كما في العلوم العقلية التي قد تنحرف عن مسارها، وتدمر البشرية بالأوبئة المصنوعة والقنابل النووية وإحراق الغابات وشن الحروب وتدمير اقتصاديات الدول وافتعال الأزمات لتجويع البشر، بينما الضمير الذي لا يمنعك من فعل الخطيئة، لكنه يمنعك من الاستمتاع بها، ويعذب روحك بها حتى ترجع إلى الحق، فأي الصديقين أولى بالوفاء.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
20-02-2024 09:42 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |