20-02-2024 04:47 PM
سرايا - في ظل الأداء القوي على نحو مفاجئ للاقتصاد الأمريكي وتسجيل سوق الأسهم مستويات قياسية جديدة، يصف كثير من المستثمرين ما يحدث بـ "الاقتصاد المعتدل النمو". ورغم ذلك، يظل الاهتمام الرئيس الآن جيوسياسياً، مع احتمالات امتداد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط.
قد تتحول أي حرب تجارية إلى إشكالية عالمية هذه المرة
غير أن هناك خطراً آخر في رأي نيكولاس سارجين، مستشار اقتصادي في شركة Fort Washington Investment Advisors، يكمن في الصراع التجاري العالمي مع الصين الذي يغفل عنه كثيرون.
وأوضح سارجين، وهو أيضاً أستاذ في كلية داردن للأعمال في جامعة فيرجينيا، في مقاله بموقع صحيفة "ذا هيل" التابعة لكونغرس الأمريكي، أنه من بين مصادر التوتر أن القادة الصينيين يعملون على توسيع القدرات التصنيعية والتصديرية لبلادهم لتعويض الانكماش الاقتصادي الحالي. ويتزامن ذلك مع دراسة الاتحاد الأوروبي فكرة زيادة الرسوم الجمركية على واردات السيارات والواردات ذات الانبعاثات الكربونية العالية، وفي وقتٍ من المحتمل أن تكون فيه العلاقات مع الصين قضية من القضايا المُثارة في انتخابات الرئاسية الأمريكية.
وأضاف الكاتب: قد يبدو هذا التطور في ظاهره مُستبعداً بالنظر إلى أن التوترات بين الولايات المتحدة والصين خفّت حدتها منذ أواخر العام الماضي. فقد اتفق الرئيسان بايدن وشي جين بينغ على استئناف المحادثات العسكرية المباشرة التي تجمّدت في أعقاب زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي لتايوان في عام 2022.
وشهد البلدان أيضاً انفراجة على الصعيد التجاري، حيث سعت إدارة بايدن إلى طمأنة الصين إلى أن هدف السياسة الأمريكية هو "القضاء على المخاطر" المترتبة على علاقتها بالصين لا قطع العلاقات بها كليّاً. لماذا إذاً يمكن أن يشتعل الصراع التجاري مجدداً؟
الاستغناء عن العمالة
يجيب الكاتب أن السبب الرئيس، وفقاً لمجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية، يكمن في أن "الصين على وشك أن تُطلق العنان لموجة تجارية جديدة تفضي إلى الاستغناء عن العمالة في العالم الغني". وتشير التقديرات إلى أن نحو مليون عامل صناعي أمريكي فقدوا وظائفهم بسبب المنافسة الصينية خلال الفترة بين عامي 1997 و2011. ويبدو هذا التقدير متدنيّاً نظراً إلى أن إجمالي عدد الوظائف المفقودة في قطاع التصنيع بلغ نحو 6 ملايين وظيفة إبّان تلك الفترة، وساعدت هذه الظاهرة دونالد ترامب على الفوز في انتخابات عام 2016 الرئاسية.
ومن المرجح أن تتمثل الموجة التالية في صادرات ضخمة من السيارات الصينية، بما في ذلك حصة متزايدة من السيارات الكهربائية. وتُظهر بيانات رابطة مصنعي السيارات اليابانية أن الصين تفوقت على اليابان إذ أمست أكبر دولة مُصدِّرَة للسيارات في العالم العام الماضي. وحدَّد مكتب الجمارك الصيني عدد السيارات بـ 5.52 مليون سيارة، بزيادة أكثر من 50% عن العام الماضي، وكانت 1 من أصل 3 سيارات صينية تُصدَّر كهربائية.
"بي واي دي" تطيح بشركة "تسلا"
وأطاحت شركة "بي واي دي" أيضاً، وهي أكبر شركة مُصدرة للسيارات في الصين، بشركة "تسلا" وأمست صاحبة أكبر مبيعات للسيارات الكهربائية بالكامل، وذلك بدعمٍ قوي من الحكومة الصينية. ولاحظت مجلة "الإيكونوميست" أنه منذ إطلاق سياسة "صنع في الصين" في عام 2015، "تجاهلت الصين بوقاحة قواعد التجارة العالمية، وأغدقت المساعدات على شركات صناعة السيارات لديها"، بما في ذلك "القروض منخفضة التكلفة وضخ الأسهم وإعانات دعم المشتريات والعقود الحكومية".
ووضعت شركات تصنيع السيارات الكهربائية الصينية نصب أعينها أن تصبح طرفاً رئيساً على الساحة الدولية، مع التركيز خصيصاً على أوروبا. وتبيع شركة "بي واي دي" حالياً خمسة طرازات من سياراتها في أوروبا، وأعلنت عن خططها لبناء مصنع جديد في المجر.
واتهمت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، الصين بإغراق الأسواق العالمية بأسعارٍ تحافظ عليها "بشكلٍ مصطنع بفضل الدعم الحكومي المقدم لها". وفي الوقت ذاته، بدأت تحقيقات في سبتمبر (أيلول) قد تؤدي إلى فرض رسوم جمركية عقابية على السيارات الكهربائية الصينية قد تتجاوز النسبة القياسية الحالية للسيارات المستوردة والبالغة 10%.
وأشارت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية إلى أن التجارة العالمية يمكن أن تتجزأ أيضاً بسبب فرض الاتحاد الأوروبي، لأول مرة في العالم، ضريبة على انبعاثات الواردات كثيفة الكربون. وتشمل هذه السلع بضائع كالفولاذ والإسمنت والحديد والألمينيوم والأسمدة وغيرها. وستبدأ الرسوم الجمركية في عام 2026. ويكتسب الأمر أهمية خاصة للحكومة الصينية التي تحاول أن تتوقف على الاعتماد على أفران الصهر التي تعمل بالفحم لإنتاج الصلب.
تغييرات محتملة في السياسة التجارية
ولم تتأثر الولايات المتحدة بهذه التطورات إلى الآن. ورغم ذلك، يقول الكاتب إن التغيرات المحتملة في السياسة التجارية بين الصين والولايات المتحدة يمكن أن تحدث بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
في عام 2018، فرض الرئيس ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25% على بضائع صينية بقيمة 50 مليار دولار، مما أدى إلى موجة من الزيادات في الرسوم الجمركية أثَّرَت على سلع مستوردة بقيمة 380 مليار دولار تقريباً.
ووفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة الضرائب، دفع المستهلكون الأمريكيون ما يُعادل 80 مليار دولار أخرى مقابل هذه السلع في واحدة من أكبر زيادات الضرائب على مدار عقود. وتُقدِّر الدراسة أن الرسوم الجمركية الأعلى التي تركتها إدارة بايدن على حالها ستُقوِّض النمو الاقتصادي على المدى البعيد بنسبة 0.2% وتكلف الولايات المتحدة 166 وظيفة.
وساهمت حالة عدم اليقين بشأن التجارة أيضاً في عمليات بيع كثيفة في سوق الأسهم الأمريكية بنسبة تُقارب 20% في الربع الرابع من عام 2018. ووفقاً لدراسة أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، أدى ذلك إلى خفض القيمة السوقية للشركات المُدرجة في الولايات المتحدة بمقدار 1.7 تريليون دولار، وكان التأثير الأكبر على الشركات التي تتعامل مباشرةً مع الصين على الصعيد التجاري.
الاقتصاد الأمريكي
وأوضح الكاتب أنه في حال تصعيد الصراع التجاري بين البلدين، فإنه سيكون أكثر ضرراً على الاقتصادي الأمريكي والاقتصاد العالمي هذه المرة لسببين. أولاً، الرسوم الجمركية التي يلوِّح بها ترامب أوسع نطاقاً مما كانت عليه خلال الفترة بين عامي 2018 و2019. فقد دعا في البداية إلى زيادة شاملة للتعريفة بنسبة 10%، غير أنه رفع الزيادة المتوقعة في مقابلة أُجرِيت معه مؤخراً قال فيها إنه سيفرض رسوماً جمركية على البضائع الصينية يمكن أن تتجاوز 60%.
وثانيّاً، قد تتحول أي حرب تجارية إلى إشكالية عالمية هذه المرة إذا نفَّذ الاتحاد الأوروبي خططه الرامية إلى زيادة الرسوم الجمركية على السيارات والواردات "الملوثة" للبيئة.
وحذر الكاتب من أن هذه النتيجة ستشكل تهديداً كبيراً للنظام العالمي لما بعد الحرب العالمية الثانية الذي وضعه الرئيس فرانكلين د. روزفلت لتعزيز السلام والازدهار على مستوى العالم. وهذا خطر لا يستطيع المستثمرون تجاهله.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
20-02-2024 04:47 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |