21-02-2024 04:54 PM
بقلم : سيف منور
تعج وسائل الاعلام المختلفة في شتى انحاء العالم بأصوات قادة الدول والمحللين السياسيين المنادين بضرورة ايجاد سلام دائم بين طرفي النزاع الاسرا - فلسطيني ، وهو ما ينادي به بطبيعة الحال طرفي النزاع ايضا وهم يقاتلون بعضهم بعضا ، الا اننا لو فكرنا قليلا لوجدنا ان اسرائيل الساعية في حربها على غزة ان تقضي على الفصائل الفلسطينية في تلك البقعة الصغيرة ، وحتى وان حققت مساعيها - وهو امر شبه مستحيل بالمناسبة - لن تستطع ان تبيد كل من يعاديها من حولها ، سوآءا كان العداء سرا او علانية ، فالمعاديين بشكل علني هم الميلشيات المسلحة المدعومة من ايران في لبنان والعراق وسوريا واليمن ، بالإضافة الى الدولة السورية بنظام الاسد التي ما زالت على عدائها مع اسرائيل . اضافة الى العداء الخفي ، من الاعداء التقليديين القدامى مثل الاردن ومصر ، وحتى وان عقدوا اتفاقيات السلام ، بقيت شعوبهم الذين قاتل ابائهم واجدادهم وجها لوجه ضد الجنود الإسرائيليين يضمرون العداء لتلك الدولة وحتى ولو فتحت السفارات والقنصليات الاسرائيلية في دولهم ، فعن اي سلام نتحدث ؟
يعتبر مجلس الامن التابع للأمم المتحدة صمام الامان لدول العالم ، وذلك بالنسبة لمعتنقي النظرية المثالية واليوتوبيين " ادب المدينة الفاضلة " ، حيث ان حق النقض الفيتو هو اعلى درجة في تعزيز الديستوبية " واقع العالم المرير " في التاريخ ، فمثلا استخدمت اميركا في جلسة مجلس الامن الاخيرة حق الفيتو في وجه مقترح الجزائر لوقف اطلاق النار في غزة ، وذلك وسط تنديد روسي وصيني صارخ لهول ما اقترفته اميركا في حق الابرياء المدنيين الفلسطينيين الذين يقتلون بشكل يومي امام اعين العالم دون ان يحرك احد ساكنا ، ومن باب الكوميديا السوداء فإن التنديد الأمريكي والبريطاني والفرنسي كان يصدح في اروقة مجلس الامن قبل بضع سنوات لاستخدام روسيا حقها في النقض امام اي مقترح كان لا يصب في صالح نظام الاسد في سوريا ، في حين كان يقتل الابرياء ايضا في الشوارع امام اعين الجميع ولا يستطيع احد ان يفعل شيئا ، بصرف النظر لماذا كانوا يقتلون وفي سبيل ماذا ومن ، فتلك تعقيدات لن نتطرق اليها في هذا المقال ، فعن اي مجلس امن وعن اي سلام نتحدث ؟
ان غالبية سكان الارض اليوم لا يعيشون في سلام دائم ، فالمراقب للرؤوس النووية في الدول الخمسة الكبار ، بالإضافة الى باكستان واسرائيل وايران والهند ، يعلم ان هذه الترسانات النووية لم تُصنع لكي يُلتقط بجانبها الصور التذكارية ، بل صُنعت لكي توجه نحو سكان باقي دول العالم ، فكما صرح ميدفيدف رئيس روسيا السابق قبل أسابيع ، انه سيمحي كييف عن وجه الارض ان لزم الامر ، اي بمعنى اخر اننا " كروسيا" ما زلنا نأخذ مسألة الحرب مع اوكرانيا من باب ردع الغرب عنا لا غير ، ولكننا جاهزون لكل امر ،فالاسلحة النووية " مُلقمة " ولا يمنعها اي شيء من الوصول الى اهم العواصم في العالم . وبالمقابل ان حدث امر كهذا فلن تقف الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وغيرهم مكتوفي الايدي ، فان انطلقت تلك الاسلحة النووية من كل حدب وصوب ، فان الدراسات تقول ان الاشعاع النووي لوحده سيلف الكرة الارضية ، اي لن يبقى كائن في العالم لن يطاله الاذى ، فعن اي سلام نتحدث ؟
لا سلام في الارض ، ولا امن في العالم ، ولا عدل في محاكم العدل ، ولا تتمتع القوانين الدولية بالأخلاق الكافية ، فمن اعطى حق الفيتو لخمسة دول فقط كانت قد انتصرت على دول المحور في الحرب العالمية الثانية ، لم يكن يريد ان يحقق المجلس الغاية الأسمى من وجوده ، وهي تحقيق الامن للبشرية ، بل اراد فقط ان تتمتع الدول اصحاب الفيتو وحلفائهم بالأمان ، الا ان مساعيه خابت ، فدول الفيتو في عدائها لبعضها البعض قد أعيت غاية المشرع ، فتبدلت النعمة لنقمة ، فلا تستطيع الولايات المتحدة ان تفعل شيئا تجاه روسيا في حربها على اوكرانيا ، والعكس صحيح ، فروسيا عاجزة عن ردع اميركا عنما تريد ، والمعسكرين الشرقي والغربي ما زالا يتفنان في اقتناص الفرص وكسب الغنائم على حساب دول العالم الاخرى ، التي لا تدري ، اتتلقى الضربة من الاعداء لتحتمي بمجلس الامن ، ام تتلقاها من مجلس الامن ذاته ، فما دامت الدول الاستعمارية القديمة تكيل بمكيالين ، وما دامت الدول الاخرى يزداد ضعفها يوما بعد يوم ، فعن اي سلام نتحدث .
سيف منور
كاتب ومحلل سياسي ، وباحث بدرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية في القانون الدولي العام .
Saifmenwer0@gmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-02-2024 04:54 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |