28-02-2024 09:21 AM
بقلم : د. صلاح جرّار
إنْ كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وداعموه الأمريكيون لا يكفّون عن الحديث عمّا يسمّونه اليوم التالي لما بعد غزّة، فإنّ من حقّ المقاومة الفلسطينيّة والشعوب العربيّة الداعمة لها أن تتحدث هي أيضاً عن مشروع اليوم التالي لما بعد إسرائيل، بل إنّ حق المقاومة الفلسطينية في الحديث عن هذا المشروع والانشغال بإعداده من الآن أهمّ كثيراً وأولى ممّا يتحدث عنه الصهاينة ومؤازروهم في الغرب، أوّلاً لأنّ زوال الاحتلال الصهيوني عن أرض فلسطين أمرٌ حتميّ حسب سنّة التاريخ، وثانياً لأنّ الفلسطينيّ لا يمكن أن يتخلّى عن أرضه ووطنه مهما طال الزمن، وثالثاً لأنّ المحتلين الصهاينة لهم أوطان أصلية يمكنهم العودة إليها في أمريكا وبريطانيا وروسيا وأكرانيا وبولندا ورومانيا وغيرها.
ولذا فإنّ على الفصائل الفلسطينية أن تبدأ منذ هذه اللحظة بالتنسيق في ما بينها للإعداد لمشروع اليوم التالي لما بعد (إسرائيل) وأن يتفقوا على خطّة عصرية حضارية لإنجاز هذا المشروع، وأن يستعينوا في وضع هذه الخطّة بدولٍ لها تاريخ نضالي للتحرر من الاستعمار ومواقف شريفة من القضية الفلسطينية مثل جنوب إفريقيا والبرازيل وإيرلندا وغيرها.
وقد يقول قائل إنّ من السابق لأوانه الحديث عن الترتيبات التي يمكن اتخاذها بعد هزيمة الكيان الإسرائيلي وهو لم يُهزم بعد الهزيمة النهائية، فأقول: إذا كان يسمح للزعماء الإسرائيليين والأمريكان أن يتحدثوا عن اليوم التالي لما بعد غزة حسب زعمهم وهم لا يضمنون تحقيق نصرٍ على المقاومة في قطاع غزة بل هم موقنون بعدم قدرتهم على تحقيق النصر على المقاومة، فإنّ من الأولى أن يسمح للفلسطينيين أن يعدّوا العدّة لما بعد سقوط (إسرائيل) وهزيمتها قبل أن تتحقق هذه الهزيمة، وهي في كلّ الأحوال هزيمة مضمونة بعون الله تعالى.
وأقترح أن تقوم خطّة ترتيبات اليوم التالي لما بعد إسرائيل على عدة مراحل على النحو التالي: المرحلة الأولى: إنشاء إدارة حكوميّة مؤقتة من قادة الفصائل السياسية والعسكرية الفلسطينية تكون مهمتها صياغة دستور للبلاد ووضع القوانين والأنظمة والتشريعات وبناء المؤسسات الوطنية الضرورية التربوية والصحية والاقتصادية وغيرها.
أما المرحلة الثانية فتركز على استعادة حقوق المواطنين الفلسطينيين الذين سلبت أراضيهم ومنازلهم من قبل الاحتلال، وذلك بالاستناد إلى سندات التسجيل وسجلّات دوائر الأراضي وغيرها من الإثباتات والوثائق والحجج. وتشمل هذه المرحلة وضع أسس وضوابط لعودة المستوطنين الإسرائيليين إلى البلدان التي جاءوا منها وإلزامهم بدفع تعويضات للفلسطينيين عن استخدام الأراضي والبيوت الفلسطينية طوال سنوات الاحتلال. وتشمل هذه المرحلة كذلك السماح لليهود الذين يثبتون أنّ لهم سلفاً كانوا يعيشون في أرض فلسطين قبل (1917) البقاء في أرض فلسطين بوصفهم مواطنين فلسطينيين. كما تشمل هذه المرحلة توزيع الوحدات السكنية في المستوطنات الإسرائيلية على السكّان الفلسطينيين الذين تضرّرت منازلهم من جرّاء الحروب والاعتداءات الصهيونية عليهم في غزة والضفّة الغربيّة.
وتخصّص المرحلة الثالثة لإعادة الإعمار وفق خطّة شاملة مفصّلة، وتشمل هذه المرحلة أيضاً تشجيع الاستثمارات في مختلف المجالات التي تسمح بها القوانين، مثل الاستثمارات السياحية والزراعية والصناعية والتجارية والثقافية وغيرها. وفي المجال السياحي ولاسيّما السياحة الدينية تقوم الدولة بفتح المجال لزيارة القدس الشريف للمسلمين من أنحاء العالم، ولزيارة المقدّسات المسيحية للمسيحيين من مختلف دول العالم، وكلّ ذلك وفق قواعد وقوانين محدّدة.
وفي المرحلة الرابعة تنظّم انتخابات عصرية نموذجية بإشراف ورعاية من دولٍ صديقة للفلسطينيين وذلك لتشكيل حكومة مقبولة لدى الشعب الفلسطيني تقوم بالبناء والتطوير وإدارة البلاد وتحقيق تطلّعات الفلسطينيين والتخلّص من آثار الاحتلال الصهيوني تماماً. وفي هذه المرحلة تقوم الدولة الجديدة بتوطيد علاقاتها السياسية والأمنية والتجارية وغيرها مع الدول التي كانت لها مواقف مشرّفة في دعم النضال الفلسطيني.
إنّ تحقيق هذه الخطّة في مراحلها المختلفة لن يكون سهلاً ويسيراً وسوف تشوبه اختلافات وصراعات، إلاّ أنّه في النهاية سوف يتحقّق إذا غلّبت الأطراف كلّها المصلحة الوطنية، وإنّ من ينجح في الوصول إلى إنهاء أبشع احتلال على وجه الأرض لن يكون عاجزاً عن الوصول إلى توافق وطني يصبّ في خدمة فلسطين وشعبها ومقدّساتها ومستقبلها وتطلّعات أهلها.
Salahjarrar@hotmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
28-02-2024 09:21 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |