03-03-2024 08:40 AM
بقلم : د. عدلي قندح
في ظل الترابط العالمي الوثيق في الوقت الحالي، فان أنظمة الانتاج والتحويل والتوريد بين البلدان متشابكة ومعقدة بشكل كبير. لذا، يغدو من السهل انتشار الأزمات من بلد أو منطقة ما بسرعة إلى الدول والمناطق الآخرى من خلال التجارة وتدفقات الأموال والاستثمار. هذا الترابط يجعل من الصعب بالنسبة لأي بلد منع نفسه من التأثر تمامًا بالصدمات الخارجية. في ظل الاقتصاد العالمي اليوم، تتداخل الاقتصادات الوطنية بشكل كبير من خلال التجارة الدولية وحركات رؤوس الأموال والايدي العاملة. فعندما يواجه بلد ما أزمة مالية أو اقتصادية، يمكن أن تنتقل هذه الأزمة بسرعة إلى البلدان الأخرى التي لها علاقات اقتصادية ومالية وثيقة معه. على سبيل المثال، أثرت أزمة الديون اليونانية في الفترة من 2010 إلى 2012 على الاقتصاد الأوروبي بأكمله بسبب ارتباطه الوثيق بالاقتصاد اليوناني.
كما أن تطوير الأوراق والمشتقات المالية المعقدة جعل من الصعب على المنظمين والمشاركين في السوق فهم وإدارة المخاطر المرتبطة بهذه المنتجات بشكل كامل. فيمكن أن يؤدي سوء إدارة هذه الأدوات إلى ظهور حالة من عدم الاستقرار المالي. فقد كانت أزمة الرهن العقاري في عام 2008 ناجمة بشكل جزئي عن تعقيدات الأوراق المالية المضمونة بالرهن العقاري والمشتقات المالية المرتبطة بها.
علاوة على ذلك، تتأثر الأسواق الاقتصادية والمالية بسلوك المستهلك، الذي يمكن أن يكون غير قابل للتنبؤ والتحكم به نتيجة لعوامل الخوف والجشع. فيمكن أن يشارك المتعاملون في السوق في سلوك القطيع، ما يؤدي إلى حدوث فقاعات وانهيارات لاحقة في الأسواق. هذا الغموض والجانب السلوكي يجعل من الصعوبة بمكان توقع الأزمات ومنعها، وغالبًا ما يكون ذلك السلوك غير منطقي. فقد انفجرت فقاعة العقارات في الولايات المتحدة في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين بسبب تضخم أسعار العقارات الذي أثر على سلوك المستثمرين.
وفي بعض الحالات، يمكن أن يجعل نقص الشفافية في المعاملات المالية والتقارير من الصعب التعرف على الضعف في النظام المالي، بحيث تتراكم المخاطر المخفية دون أن تلفت الانتباه حتى تصل إلى نقطة حرجة. فإذا كانت هناك صفقات مالية غامضة في سوق معين، ولا توجد تقارير دقيقة حولها، فإن المستثمرين والمراقبين قد لا يكونون على دراية تامة بالمخاطر الحقيقية المحيطة بذلك السوق، لذا فأن تعامل المستثمرين الخارجيين مع ذلك السوق قد ينقل ازماته الى اسواق أخرى.
كما ويمكن أن تكون الأسواق المالية مبتكرة وقادرة على تجاوز التنظيم بسرعة. فإذا تم وضع قواعد جديدة للحد من مخاطر معينة، فإن المشاركين في السوق قد يبحثون عن ثغرات في هذه القواعد أو يبتكرون منتجات جديدة لتجنب القواعد. وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة المخاطر المالية وانتشارها وانتقالها لأسواق أخرى.
ومن الممكن أن تتسبب العوامل الاقتصادية الكبرى مثل التضخم وعدم التوازن المالي أو مستويات الديون غير المستدامة في إشعال الأزمات. ومع مرور الوقت، يمكن أن تتراكم هذه العوامل وتصل في النهاية إلى نقطة الكسر. فقد انهارت أسواق الأسهم في عام 1929 بسبب الكساد الاقتصادي الكبير في الولايات المتحدة الأميركية وانتقلت أثاره الى مناطق متعددة في العالم.
كما يمكن أن تؤثر الأحداث الجيوسياسية مثل الصراعات والتوترات التجارية أو العقوبات بشكل كبير على الاستقرار الاقتصادي والمالي. وهذه الأحداث غالبًا ما تكون صعبة التنبؤ والتحكم بها. فقد أثرت الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بشكل مباشر على الأسواق المالية العالمية وفاقمت من الازمات والصعوبات ونشرتها في أسواق أخرى.
فكما تشير التجارب العالمية السابقة يمكن للبلدان إتخاذ تدابير لتقليل إحتمالية حدوث الأزمات الاقتصادية والمالية وتقليل تأثيراتها على الاقتصادات المحلية، ولكن من الصعب تجنبها تمامًا وذلك لأن طبيعة الأسواق المالية والأنظمة الاقتصادية مترابطة ومتشابكة ومعقدة. إلا انه يمكن الاستفادة من السياسات والاستراتيجيات والتدابير التي أتبعت سابقاً لتقليل تبعات وتداعيات الأزمات الاقتصادية والمالية على الاقتصادات المحلية، كما ويمكن اتباع استراتيجيات وخطط للتخفيف من حدة أثار أية صدمات أو أزمات خارجية قد تؤثر على الاقتصاد المحلي في المستقبل.
الرأي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
03-03-2024 08:40 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |