04-03-2024 09:25 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
أصدرت المحكمة الدستورية الأردنية قبل أيام حكمها رقم (1) لسنة 2024، الذي أعلنت فيه عدم دستورية العبارة المتعلقة بتاريخ سريان نظام الإقرارات الضريبية والسجلات والمستندات ونسب الأرباح رقم (59) لسنة 2015 وتعديلاته، الذي تضمن في المادة (1) منه حكما تشريعيا يقضي بأن يُعمل به اعتبارا من 1/1/2015.
فقد أصدر مجلس الوزراء النظام المطعون بعدم دستوريته كنظام تنفيذي، وذلك استنادا لأحكام المادة (77/أ) من قانون ضريبة الدخل رقم (34) لسنة 2014 وتعديلاته بهدف تنظيم مسألة تقديم إقرارات ضريبة الدخل وتعديلها، وتحديد نسب الأرباح القائمة للبضائع أو السلع أو الخدمات التي تتعامل بها القطاعات التجارية والصناعية. وقد جرى نشر هذا النظام في عدد الجريدة الرسمية رقم (5349) الصادر بتاريخ 16/7/2015، إلا أنه قد تضمن في المادة الأولى منه فيما يخص تحديد نطاق سريانه، أنه يعتبر نافذ المعفول بأثر رجعي، وذلك اعتبارا من بداية عام 2015.
وقد بررت المحكمة قرارها بعدم الدستورية بأن المادة (93/2) من الدستور قد حددت آلية سريان القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية، بأن وضعت قاعدة عامة مفادها أن الأصل في القانون أنه يسري بعد مرور ثلاثين يوما على نشره في الجريدة الرسمية، ما لم يرد نص خاص فيه يقضي بخلاف ذلك. وقد اعتبرت المحكمة الدستورية أن المقصود بكلمة «القانون» لغايات تطبيق النص الدستوري السابق وامكانية السريان بأثر رجعي، هو التشريع الصادر عن السلطة التشريعية وحدها دون السلطة التنفيذية.
فالأثر الرجعي للقاعدة القانونية قد قصرته المحكمة الدستورية على التشريع من درجة قانون فقط، دون باقي التشريعات الأخرى كالنظام والتعليمات التي تصدرها السلطة التنفيذية، والتي يُفترض بها أن تكون سارية المفعول من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية، وألا تستفيد من الاستثناء الدستوري بأن يكون سريانها بأثر رجعي.
ويأتي هذا الحكم الأخير للمحكمة الدستورية بإعلان عدم دستورية تاريخ سريان نظام الإقرارات الضريبية والسجلات والمستندات ونسب الأرباح رقم (59) لسنة 2015 تكريسا لنهجها القضائي السابق فيما يخص تفعيل الأثر المباشر لسريان القواعد القانونية في شكل نظام وتعليمات. فقد سبق لها وأن قضت في حكمها رقم (2) لسنة 2021 بعدم دستورية المادة (9) من نظام إعفاء أرباح صادرات السلع والخدمات من ضريبة الدخل رقم (106) لسنة 2016، التي نصت على سريان تطبيقها بأثر رجعي على الفترة الضريبية المتحققة في عام 2015.
فقد اعتبرت المحكمة الدستورية في حكمها لعام 2021 أن الأثر الرجعي لا يكون إلا لتشريع بدرجة قانون إذا تضمن نصا على ذلك، تطبيقا لأحكام المادة (93/2) من الدستور، وأن المشرع الدستوري قد أعطى هذا الاستثناء المتمثل بالسريان الرجعي للقاعدة القانونية للسلطة التشريعية وحدها، ولم يقرره للسلطة التنفيذية.
كما أصدرت المحكمة الدستورية حكمها رقم (5) لسنة 2017، الذي أعلنت فيه عدم دستورية العبارة المتعلقة بتاريخ سريان النظام المعدل لنظام الضريبة الخاصة على المبيعات رقم (97) لسنة (2016)، وهو النظام الذي تم نشره في عدد الجريدة الرسمية رقم (5413) الصادر بتاريخ 1/8/2016، وتضمن في المادة الأولى منه حكما يقضي باعتباره نافذ المفعول اعتبارا من 21/6/2016، أي بوقت سابق لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
إن فلسفة هذا المبدأ الدستوري الذي رسخته المحكمة الدستورية في أحكامها الصادرة عنها تتمثل بأن النظام الذي يصدر وفق أحكام القانون يهدف إلى توضيح المِكَن والآليات اللازمة لتنفيذ نصوصه، وذلك من خلال ما يجري تضمينه من قواعد تفصيلية تبين كيفية تطبيق القانون. وبالتالي، فإن الغاية من تقرير السريان بأثر رجعي في حالة النظام تعد منتفية.
وتجدر الإشارة إلى أن الأنظمة التي قررت المحكمة الدستورية إبطالها بحجة صدورها ونفاذها بأثر رجعي لها طبيعة مالية ومرتبطة بضريبتي الدخل والمبيعات. وهذا ما يؤكد على «عظمة» الدور الذي تقوم به المحكمة الدستورية في مجال حماية الحقوق والحريات الفردية؛ فهي تتصدى لكافة المحاولات التشريعية التي تقوم بها الحكومات المتعاقبة، والتي تحاول من خلالها تحصيل مبالغ مالية من المواطنين بشكل يخالف الأصول الدستورية والقواعد القانونية المتعلقة بالصياغة التشريعية السليمة.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-03-2024 09:25 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |