04-03-2024 09:26 AM
بقلم : سارة طالب السهيل
في زماننا العجيب وبفعل تكنولوجيا عصرنا التي أتاحت للكثيرين من عامة الناس الاطلاع على بعض الجوانب السياسية والاقتصادية والدينية والعلمية، ودون استيعاب منهم لها باتوا يتفاعلون معها، ويتحدثون بها عبر إنشائهم قنوات خاصة أو صفحات إلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعية على اختلاف أدواتها.
الغريب في الأمر أن هؤلاء العامة ولهم الاحترام لم يدرسوا ولم يعرفوا معنى التخصص العلمي أو الأكاديمي، حتى يفتوا في كل شاردة وواردة في أمور حياتنا العلمية والسياسية والاقتصادية، ولم يعرفوا الفرق بين الرأي العلمي المتخصص، وبين الرأي السريع غير القائم على دراسة المشكلات وسبل حلها علمياً، فاختلط «الحابل بالنابل»، وضيعت الحقائق بينما المتابعون لهذه الصفحات يتلقون عن العامة كأنهم أساتذة وخبراء دون تمييز.
الحضارات كلها لم تعرف هذا النمط معرفة الجهال أو العامة أو عامة العامة، بل قامت كلها على العلم المتخصص أو الفكر الموسوعي، ففي الحضارة العباسية كان العالم دارساً للعلوم الشرعية ومتبحراً فيها، وفي الوقت نفسه أخذا بنصيب وافر من علوم الرياضيات والفلك وغيرها، من أمثال ابن سينا وابن الهيثم وغير، فحملوا الفكر الموسوعي الشامل.
وحتى في عهد نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد استفاد من خبرة ذوي الخبرة والاختصاص، عندما تجمع أصحاب الأحزاب لقتال المسلمين بالمدينة، جمع رسول الله أصحابه ليستشيرهم في كيفية الدفاع عن المدينة وصد الأعداء، فأشار الصحابي الجليل سلمان الفارسي -رضي الله عنه- بحفر الخندق، حيث قال: «يا رسول الله: إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا، فوافق الرسول صلى الله عليه، وسلم وصحبه الكرام على هذه الخطة الحكيمة فكانت من أسباب صد الأحزاب وفشلهم.
كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ..) (43)
كما قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر).
وقال الله سبحانه وتعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
ولا مكان في الشأن العام و القضايا الهامة لاختيار عامة الناس أو عامة العامة ليدلو برأيهم فعلا او قولا ليس انتقاصا من إنسانيتهم، بل لقلة خبرتهم في إدارة شؤون البلاد والعباد، فدائما وفي كل المجتمعات النخبة ونخبة النخبة التي مكنها الله تعالى باكتساب الخبرات والعلوم وأهلها لإدارة الناس وفق أسس علمية ومواهب أيضا ربانية.
وخاصة الخاصة ممن مكنهم الله من فن ادراة الناس قد امتلكوا من الخبرات التي تمكنهم من هذا العمل، وكان أغلبهم أصحاب ضمائر وطنية مخلصة، والبعض القليل منهم عميل أو منتمي لدول أو أحزاب خارجية غير أمينة على مصالح البلاد الداخلية، فكان الركب سائرا بالأوطان إلى بر الأمان خاصة بعد قدرة الوطنيين على كشف وفضح زيف العملاء والغير الشرفاء.
أما اليوم، فإن عامة العامة تحشر أنفها في كل كبيرة وصغيرة، فتجد من لا يفهم بالاقتصاد يحلل بورصة النفط و الأسهم.
ومن لا يفهم بالدين يفتي وينظر، ومن لم يحصل حتى على الشهادة الابتدائية يعطي إرشادات طبية غير مبنية على حقائق علمية، ومن يعمل في الطب يفتي في السياسة، وهو ليس مطلعا على أي قانون أو معاهدة، ومن يعمل في التجارية يطلق الأحكام الباطلة على مجريات الأمور!!
والنتيجة أن احتل عامة العامة من الناس محل أهل الاختصاص من خاصة الخاصة، حل محل الخاصة الوطنية الخاصة العميلة، لأن الباب أصبح مفتوحا للجميع على مصراعيه دون ضوابط أو أصول، وضاع الكثير من دور خاصة الخاصة في تحصين المجتمع من الفساد والمفسدين، بسبب المنصات الإلكترونية التي ساوت بين الجميع، أصبح الحكم فيها عدد المتابعين، بعد أن صار لكل جاهل منبر يصدح منه، جلس الخاصة في منازلهم، وحل محلهم من لا يريد خيرا.
فقد تربينا على أمثولة أعطي «الخبز لخبازه لو أكل نصه»، لأنه أكثر خبرة في العجن.
واليوم صار عامة الناس يدعون معرفة أسرار صنع الخبز، وهم ينعمون بالجهالة، من أين هبط علينا هذا الكم الهائل من مدعي العلم والفهم؟ ومنذ متى الناس جميعها فهيمة وعليمة وحكيمة؟!
فعلا إننا نعيش في فوضى عارمة تقودنا للهلاك تستدعي العمل السريع والمخلص على إيقافها، خاصة وأننا لم نجد على سبيل المثال لا الحصر في أوروبا أو اليابان أو الصين، فمن يتكلم بغير مجاله، ويطلق الأحكام، ويسمح له بتوجيه المجتمع ولديه منصة مجانية ومنبر يطلق ترهاته من خلالها؟!!
لقد بتنا في أشد الحاجة إلى وقف هذا النزيف العقلي، بتحديد المفاهيم والمصطلحات وتقديم التعريفات المبسطة عن أصل الأشياء، لنعرف من هم الخاصة مرة واحدة، ومن الخاصة مرتين، ومن هم العامة ومن هم العامة العامة.
الرأي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-03-2024 09:26 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |