13-03-2024 05:42 AM
سرايا - قدوتنا في ذلك نبينا محمد ﷺ إمام الخاشعين الذي قال عنه ابن مسعود – رضي الله عنه-: قال رسولُ الله ﷺ: اقْرَأ عَلَيَّ، قالَ: قُلْتُ: أَقْرَأُ وعَليْكَ أُنْزِلَ؟ قالَ: إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي. قَالَ: فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء:41]. قالَ لِي: كُفَّ أَوْ أَمْسِكْ فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ”[1].
وعند مُسلمٍ: قال ابنُ مسعود – رضي الله عنه -: “رَفَعْتُ رَأْسِي، أَوْ غَمَزَنِي رَجُلٌ إِلَى جَنْبِي فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ”. وفي رواية: “فَبَكَى”[2].
قال ابن بطَّال: “يحتمل أَنْ يكون أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَه من غيره ليكون عَرْضُ القرآن سُنَّةً، ويحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه، وذلك أنَّ المستمع أقوى على التدبر، ونَفْسُه أخلى وأنشط لذلك من القارئ؛ لانشغاله بالقراءة وأحكامها”[3].
ومن الفوائد التي ذكرها النووي رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث: “استحبابُ استماعِ القراءة، والإصغاء لها، والبكاء عندها، وتدبُّرِها، واستحبابُ طلبِ القراءةِ من غَيرِه لِيستَمِعَ له، وهو أبلغُ في التفهم، والتدبر من قراءته بِنَفْسِه، وفيه تَواضع أهل العلم والفضل ولو مع أتباعهم”[4].
وهذه هي سُنَّة الأنبياء وطريقتهم جميعاً عليهم السلام عند استماعهم لكلام الله تعالى وآياته تفيض أعينهم بالدموع، وتخضع وتخشع قلوبهم وتتأثر من كلام الرحمن – عز وجل-، قال تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مريم:58].
المصدر: موقع الألوكة (من خطبة للدكتور محمود بن أحمد الدوسري).
رواه البخاري، برقم (5055)، و(5049).
رواه مسلم، برقم (800).
فتح الباري شرح صحيح البخاري (9/ 117).
شرح النووي لصحيح مسلم (6/ 329).