13-03-2024 12:25 PM
بقلم : رقية القضاة
يقول الله سبحانه وتعالى: {وإذا سالك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون)}.
ويقول سبحانه: {فاسجُدْ واقتربْ}.
ويقول جل من قائل: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيها أقرب)}..
وذلك كله ترغيباً منه، ومودة لعباده، وتحبّباً منه جل شأنه لخلقه الذين ارتضوه ربّاً، ودانوا له بملء القلوب والجوارح بالعبودية التي أيقنوا أنها أشرف المنازل وأرفع المقامات.
والمتتبّع لآيات القرب والتقرب في كتاب الله؛ بين الله العلي الكبير وعباده الفقراء إليه، الضعفاء أمام جبروته، الأذلاء أمام عزّته؛ يجد فيها ما يدفعه إلى المزيد من طاعته والتقرب إليه بما يحبّه سبحانه ويرضاه، فهو جل وعلا يصغي إلى دعائنا وانكسارنا، ويسمع تضرّعنا، ما خفي منه وما ظهر، ويخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه سميع قريب مجيب، لا يحتاج العباد إلا لدعائه وندائه؛ مخبتين موقنين بصدق أنه سبحانه البر الرحيم، فيجدوا الإجابة أو ما هو خير منها..
وهنا؛ تتشجّع النفوس الوجلة، وتُبسط الأكفّ المرتعشة، وتنطلق من القلوب الكسيرة ابتهالات تحمل إلى ربها آهات الجراح، وعذابات الضمائر، ورجاء التائبين الذين أثقلتهم الخطايا حتى قصم ظهورهم ثقلها، فإذا بريق الأمل ونور الرحمة ودفء الحنان الرباني الغامر؛ تغمر النفوس الحائرة الطامعة في رحمة الله، وتنساب المناجاة الصادقة أمواجاً من الرجاء، وآفاقاً من الفرح، وتغدو الدموع ابتسامات، والجراح أناشيد بهجة تطيح باليأس وتطرد الشقاء، فتحلّ محلّه نعمة الاطمئنان، وتتجلى رحمة الله {فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان}.. وأي شيء يرتجيه البائس المحزون المضطر إلا أن يستجيب الله دعاءه؛ فيفرّج كربه، ويجبر كسره، ويكشف ما يسوؤه.
وتبدأ القلوب الراجية تبحث عن كل ما من شأنه أن يجعل الدعاء مسموعاً، والاستجابة أو ما هو خير منها واقعاً لا محالة، ولأن القلوب في حالة بحث مخلص عما يقربها من الله، والنفوس في حالة رجاء الرحمة من الله؛ يبدو الطريق واضح المعالم أن الاستماع من الله جل وعلا إلى دعاء عباده حقيقة مؤكدة، وأن الاستجابة منه سبحانه حقيقة مؤكدة كذلك؛ إذا ما وفى العبد بحق هذا الدعاء {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون} أن يلتزم العبد طريق الرشاد النابعة من الاستجابة لأوامر الله ونواهيه، ومن الإيمان المطْلق به جل وعلا، والإيمان بأن الخير بيده، والعطاء بيده، والرضا بيده، والضر والنفع بيده، والقدرة له وحده {بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}..
يتفطّر قلبك أيها العبد الراجي رحمةَ الله، فيجده خالقه قد امتلا بحبه، فأفاض ذلك الحب على جوارحك تسليماً ورضا ويقيناً، فانساب إذ ذاك دعاء ترسله روحك المطمئنة إلى ربّها وقد أسلمت أمرها إليه دونما شك بقدرته أو رحمته أو عدله سبحانه، فيقربك منه بما شاء من تجليات الرحمة وموجبات المغفرة وجميل الطاعات.
وينظر سبحانه إلى وجهك، فإذا هو ساجد مقترب متبتّل مخبت، تسقي دموعك مصلاك، وتحرق زفرات الندم قلبك، فتتحوّل نار الندم إلى برد رجاء، وسلامِ تسليمٍ ورضا، وإذا العزة تضيء جبينك الساجد بتذلّل وخضوع وإنابة، لا ترجو إلا قربه والتقرب إليه، فيعلم ذلك يقيناً من نفسك؛ فيرفعك درجة لتكون منه أكثر قرباً، وله أشد حباً، وعليه أعظم اتكالاً.
ويراقب الله تعالى أداءك في العبادة والعمل وفي حياتك كلّها، فيجدك تعبده كأنك تراه، وأنت موقن بأنك إن لم تكن تراه فإنه يراك، يراك تخافه وتخشى عذابه إن حدثتك نفسك بذنب أو تقصير، ويراك نادماً مستعبراً مستغفراً إن اقترفت ذاك الذنب أو تلك المعصية، ويراك ضارعاً إليه إن وُفقت إلى عمل صالح {ربَّنا تقبَّلْ منّا إنك أنت السميع العليم}.. تخشى أن يُرَدَّ عملك فلا يُقبل، فيتملّكك الخوف والإشفاق أن يضيع عملك؛ فتسمع قوله سبحانه: {وما كان الله ليضيع أعمالكم{، فتطمئن نفسك، وتشدّ رحالك إلى منازل قرب أخرى تجعلك أقرب وأقرب، وبين عمل وآخر يتجاذبك الخوف والرجاء خوف الرد ورجاء القبول، فإذا رأى الله منك إحساناً رفعك الى درجة المحسنين، وعمَّكَ غيثُ رحمته؛ مصداقاً لقوله سبحانه: {إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين}.
وينظر الله تعالى إلى يديك، فإذا هما تنفقان يميناً وشمالاً حتى ما تعلم شمالك ما تنفق يمينك، تعطي وتقدّم القربات وقلبك وجلٌ ألا يُقبل العطاء، ولكن الله بعلمه وحلمه وعدله يعلم منك صدق النية، وطهر اليد، ونقاوة الضمير، والرغبة الصادقة في القرب منه، فيقبل صدقتك وعطاءك، ويكتبها لك قربة عنده، فتقترب من رحمته وفضله درجات ودرجات..
وتنام العيون، وتخلد الأجساد إلى الراحة والسكون، وتغرق الأرواح في عالم الدعة والأحلام، وإذا بك تبسط كفيك بالضراعة، وتستقبل القبلة بالقيام، تتراءى لك ذنوبك جبالاً ثقالاً، فيقشعر لها بدنك، وتهرع إلى الدمع النادم، والسجود الخاضع، والإنابة القلبية الخالصة، فتتقرب إلى ربك بالتوبة النصوح والاستغفار الصادق، راجياً أن تكون ممن استغفروا ثم تابوا، فاستجاب لهم ربهم، وقرّبهم إليه، وأنالهم مطلبهم مصداقاً لقوله تعالى: {فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب}.
وهكذا تمضي الأيام بك التي كتبها الله لك في هذه الحياة الدنيا، وأنت تتنقل بين المنازل الرحيبة الأليفة الحبيبة المشرقة بالطاعات العامرة بالرضا والقربات، وتطوف بك الروح في مراكب القلوب الراجيات، راجياً أن تكون من أهل القرب؛ لا تدع وسيلة إلا اتبعتها، ولا طريقاً إلا سلكته، ولا قربة إلا بذلتها، فإذا لقيت ربك كنت أقرب إليه، وأحب إليه، وأكرم لديه مما ظننت، فيعفو عنك، ويتجاوز عن ذنبك، ويمحو سيئاتك بمنّه وكرمه ولطفه وودّه، ويدخلك الجنة برحمته وفضله
{ربّنا وسعتَ كلَّ شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقِهِمْ عذاب الجحيم}.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-03-2024 12:25 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |