حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,24 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 3002

"تصدع الجدران" .. ثورة أدبية للأسرى الفلسطينيين تصل للعالمية

"تصدع الجدران" .. ثورة أدبية للأسرى الفلسطينيين تصل للعالمية

"تصدع الجدران" ..  ثورة أدبية للأسرى الفلسطينيين تصل للعالمية

14-03-2024 07:10 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - بينما تستمر حرب إسرائيل على غزة، يعاني الأسير الفلسطيني وحشية الاحتلال، ولكن من قلب العتمة يبزغ فجر الرواية الفلسطينية بكل دمويتها المعذبة وبكل إنسانيتها الحالمة، بنهار جديد ترفرف عليه رايات الحرية، وتحمل الأنباء وصول روايتين فلسطينيتين للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، وهما "قناع بلون السماء" للأسير باسم خندقجي، والأخرى "سماء القدس السابعة" للروائي المحرر أسامة العيسة.

ولسنوات طويلة مضت، شكلت روايات الأسرى الفلسطينيين مثالا حيا وموثقا لمعاناة الفلسطيني خلال 7 عقود ونصف عقد تحت نير الاحتلال، يبدو ذلك ساطعا في ما سطره الكتاب الفلسطينيون وأعمالهم، مثل "رمل الأفعى" للمتوكل طه، و"سجن السجن" لعصمت منصور، وكتاب "خارج الموعد" للشاعر جمعة الرفاعي، و"أمهات في مدفن الأحياء"، و"ستائر العتمة" لوليد الهودلي، و"أحلام بالحرية" و"ثمنا للشمس" لعائشة عودة، ورواية "سر الزيت" لوليد دقة، مرورا بالمشروع الروائي لباسم خندقجي في "مسك الكفاية" و"نرجس العزلة"، ومشروع أسامة العيسة في "قط بئر السبع" و"مجانين بيت لحم" و"المسكوبية".

تُضاف لذلك روايات لأسرى عن السجن مثل "الشوك والقرنفل" ليحيى السنوار، و"الشعاع القادم من الجنوب" لوليد الهودلي، و"حكاية صابر" للأسير محمود عيسى المحكوم عليه بـ49 عاما، وكذلك الأسير الفلسطيني المهندس عبد الله البرغوثي الشهير بعمليه "أمير الظل" وروايته "العاشق والمعشوق" وهو صاحب أطول الأحكام بالمؤبد في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي (67 مؤبدا، و5200 عام)، قضى منها حتى الآن الـ20 عاما الأولى في حبس انفرادي، إضافة إلى أشعار الشعراء التي تناولت تجربة السجن عند شعراء المقاومة الفلسطينية توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم، ليكون رافدا ثقافيا حيا لتجربة الأسر بوصفها تجربة إنسانية عامة، وليست نضالية فقط.

في كتابه "تصدع الجدران.. عن دور الأدب في مقاومة العتمة" الصادر حديثا، يطرح الشاعر والناقد فراس حاج محمد كثيرا من مشاهد معاناة الفلسطينيين في الأسر، ويرفع الستار عما تسمى " الثورة الأدبية " التي دونها الأسرى وأدرجوا فيها معاناتهم وسطروها بدمائهم ودموعهم التي صارت لؤلؤا مكتوبا، في صورة كتب خرجت إلينا من سراديب العتمة، تعزف لنا سيمفونية جيل بأكمله غير قابل للهزيمة.

وأحصى الكتاب مجموعة كبيرة من الأسرى الكتاب، ما زالوا في السجون الصهيونية، تجاوز عددهم 130 أسيرا كاتبا، ومن إستراتيجيات الاحتلال الكبرى الاستحواذ على أكبر عدد من الأسرى.

على الجانب الآخر، يكتب الأسير ما يعينه على زنزانته المعتمة، ليصله الإحساس بأنه ليس نسيا منسيا، وليس رقما، وأن له حقوقا سيحصل عليها بصفته إنسانا انتهك الاحتلال كل معايير إنسانيته.

وحول دور كتابات الأسر كحالة تتفرد بها المقاومة الفلسطينية، يقول الشاعر والناقد الفلسطيني فراس حاج محمد أن ما تختزنه هذه الكتابات من جهد توثيقي، لم يعد شاهدا على معاناة الفلسطيني فقط، بل هو أيضا جهد فكري يكشف عن طبيعة الحياة الفلسطينية بشكل عام.

ومن ناحية أخرى، لم تغفل كتابات الأسر والسجون الآخر الإسرائيلي، بحسب حاج محمد "فتكشف عن عنجهيته وأنماط تفكيره في التعامل مع العرب والفلسطينيين، وعلاقات الفلسطينيين مع غيرهم من الأجانب ودعمهم للقضية الفلسطينية وحقهم المشروع في الحرية، وحوار الآخر، وتوضيح ما يعاني منه الإسرائيليون أنفسهم من سوء فهم لنضالات الشعب الفلسطيني".

ويردف حاج محمد واصفا كتابات الأسرى بأنها "تعبر عن أحلام شعب يرزح تحت الاحتلال، محروما من حقوقه المكفولة في كل الشرائع والقوانين، يتطلع إلى سقف أعلى من الحرية تحت سماء وطن حر".

ولفرادة التجربة الفلسطينية وتوغلها التاريخي في الكتابة عن مقاومة المحتل، يفضل حاج محمد تصنيف الكتابات الخارجة من السجون الإسرائيلية بأنها "أدب مقاومة"، ويضيف قائلا: "أوافق الكاتبة عائشة عودة رأيها خلال عرضها تجربتها النضالية، إذ قالت إنها عندما أخذت قرارا بكتابة تجربها في الأسر كان ذلك من باب الالتزام الوطني في توثيق معاناة الأسرى وما يتعرضون له، حتى لا يكتب عنهم، وخصوصا الأسيرات، من ليس له علم بما كن يتعرضن له من أهوال التعذيب، وأشارت إلى معارضتها لمصطلح (أدب السجون)، ورأت في ذلك بديلا عن مصطلح (أدب المقاومة)".

باسم خندقجي، أسير فلسطيني من مواليد مدينة نابلس المحتلة 1983، أبرز مفكري الحركة الفلسطينية الأسيرة، تتنوع نتاجاته بين الكتابة الإبداعية ما بين الشعر والرواية والكتابات التاريخية، اعتُقل في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2004، وحُكم بالسجن المؤبد 3 مرات خلال انتفاضة الأقصى.

خندقجي لا يزال على قيد الأسر في قسم العزل الجماعي في سجن "عوفر" الصهيوني قرب مدينة رام الله المحتلة، تم أسره وهو طالب في قسم الصحافة والإعلام في "جامعة النجاح الوطنية"، إلا أن القيد لم يكسر إرادته وتمكن من الحصول على درجتي البكالوريوس والماجستير في "الدراسات الإقليمية- مسار الدراسات الإسرائيلية" من جامعة القدس (2016)، بإشراف الأسير مروان البرغوثي في "جامعة هداريم"، ويعمل حاليا على استكمال دراسة الدكتوراه وهو في الأسر.

باسم خندقجي، المحكوم بـ3 مؤبدات قضى منها 20 عاما خلف الأسوار، ويعد أحد أبرز المرشحين على القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية بروايته "قناع بلون السماء"، حيث أقلع خارج تابوهات وأطر أدب السجون، وخلال 20 عاما في الأسر أنتج ديواني شعر، و5 روايات: "مسك الكفاية"، و"خسوف بدر الدين"، و"أنفاس امرأة مخذولة"، و"عزلة النرجس"، و"قناع بلون السماء".

يحلق باسم خندقجي في كل كتاباته خارج تجربة الاعتقال، وعذابات الأسر وقسوة الاحتلال، يكتب صورا أدبية تغازل التاريخ كما في رواية "مسك الكفاية"، وهو يصحب قارئه إلى ظلال القصور في العصر العباسي.

يتسربل بلباس الصوفية في رواية "خسوف بدر الدين"، ويعانق قضايا المرأة منافحا ومدافعا عنها ضد ظلم عادات وتقاليد وترسبات تاريخية واجتماعية آسنة، يضاعف هذا الخنق ويزيد من سطوته قمع وعنصرية المحتل، مصورا في روايته "أنفاس امرأة مخذولة" كل أنواع الظلم الاجتماعي والسياسي.

أما "قناع بلون السماء" فإنها تعالج قضية الهوية التي سرقها الاحتلال من أبناء فلسطين، وتهويد الأراضي، والرواية بمذاقها الإنساني تعطي لمحة عن بُعد آخر لمعاناة الشعب الفلسطيني بعيدا عن ضجيج الرصاص وهتافات المقاومة.

ويصف أستاذ الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت عبدالرحيم الشيخ رواية باسم خندقجي بأنها رواية الأقنعة بامتياز في سبيل الوصول للحقيقة.

ويقول الباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية "في عمله الأخير (قناع بلون السماء)، يبلغ خندقجي ذروة الإتقان في مشروعه الروائي عبر (وجه) المواطن الفلسطيني الأصلاني و(قناع) المستوطن الصهيوني المستعمِر".

ويتابع القول إن خندقجي يفصح في الخط الحكائي ومستويات الهندسة السردية، عن نضج لافت في التركيب الفني، إذ تشاء الصدف أن يعثر بطل الرواية "نور" على بطاقة هوية زرقاء لمستوطن يصير البطل "النقيض" في الرواية ويُدعى "أور شابيرا"، وتلمع فكرة انتحال الهوية في ذهن "نور"، ويسجِل في بعثة أميركية يقودها "معهد أولبرايت" لأبحاث الآثار، وخلال التنقيب، يتعرف إلى "سماء إسماعيل"، الحيفاوية التي تردُه إلى "رشده" في ضرورة الاحتفاظ بوجهه الفلسطيني ونبذ قناعه الصهيوني، ويعزز من جهود حبيبته الفلسطينية الجديدة صوت رفيقه الأسير مراد، الذي يلازمه، ويبدو كمعادل موضوعي للروائي نفسه، على امتداد الرواية التي يمكن تكثيفها دراميا في 3 أداءات: وجه، وقناع، وكشف.

ويضيف الشيخ أن الرواية حقل دومينو مرصوف بالأقنعة، مشيرا لأن خندقجي يلمح إلى أن القناع هو مسخ لصاحبه الذي تم تحويله إلى محض قناع، فكلمة قناع بالعربية تعني "مساخ" بالعبرية، ومن جذرها الثلاثي يمكن استدراج كلمة "مسخ"، وقد تمكن خندقجي في الرواية وببراعة من مسخ "أور"، وبالعبرية يعني "نور"، ولكن خندقجي يلقن "نور" نفسه درسا عبر "سماء" مفاده أن قول الحقيقة الفلسطينية لا يحتاج إلى قناع أبيض بلون جلد المستعمِرين ولا هوية زرقاء بلون السماء المستعمرة، فالقناع يمسخ من يرتديه بأكثر ما يمسخ من يشبهه.

تيمة القصة الحقيقية، كما يقول الناقد الفلسطيني، هي أزمة الهوية التي يمر بها نور، فهو لا يقبل وضعه بوصفه لاجئا يسكن مخيما على أرض وطنه، وفي الوقت نفسه لا يستطيع تقبل ما منحته له هويته المزورة من حياة طبيعية لكن وسط أعداء وطنه، الذين استلبوا أرضه، وزوروا تاريخه.

وحول البعد التاريخي لكتابات الأسر الفلسطيني تقول بيسان عدوان -كاتبة وصحفية فلسطينية، وصاحبة دار ابن رشد للنشر- إن أدب السجون يعد من التراث الفلسطيني المليء بالمذكرات والسير الذاتية، وهو يدون أهم وأصعب المراحل التي يمر بها الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي.

وتؤرخ عدوان لبدايات أدب الأسرى التي جاءت عبر الرسائل التي يبعثها الأسير إلى أهله، مشحونة بسرد أدبي سواء كان شعرا أو نثرا، "وحاول المعتقلون استعمال صنوف أدبية متنوعة كجزء من التمويه ضد الرقيب الإسرائيلي، ثم تطورت الأعمال الأدبية منذ الخمسينيات وصولا لمرحلة السبعينيات التي يمكن أن نطلق عليها بالفعل مرحلة حقيقية لأدب السجون ذات أبعاد فنية وجمالية".

ويعد أدب السجون وثيقة تاريخية للمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ ما بعد النكبة وصولا لثمانينيات القرن الماضي، حيث يوثق عبر الصنوف الأدبية واقع السجن المرير وما يحدث للأسرى والمعتقلين من تعذيب وتنكيل لهم، لكن في حقبة ما بعد انتفاضة عام 1987 أخذ أدب السجون مناحي إبداعية مختلفة عن التوثيق والسير إلى مناطق جمالية وفنية أخرى، حسب الكاتبة الفلسطينية.

وتضيف بيسان عدوان "ربما تعد رواية الحياة بعد الموت لإسكندر الخوري أول عمل روائي يتناول موضوع السجن في زمن الحكم التركي بين 1914-1918. لكن هناك العديد من الروايات في الآونة الأخيرة صدرت عن أسرى سابقين أو حاليين تتجاوز سردية السجن إلى أشكال فنية للسرد خارج اللغة الأسيرة. فمثلا رواية إسماعيل رمضان (حسن اللاوي) تناولت الأسر والاعتقال بطريقة مختلفة عن التوثيق، فهو يجعلنا نرى حياة المعتقل من الداخل إلى الخارج، حيث يجعلنا نشعر بأن هناك عالما آخر مواليا بتفاصيله ويومياته وسياقاته وعوالمه".

كما أن باسم الخندقجي انطلق بأعماله الأدبية نحو الخروج من التصنيف الضيق لأدب السجون الذي يعطي له القداسة ويخرجه من حيز النقد الأدبي، حسب عدوان، "ليحلق بعيدا عن تلك الفكرة التي ألصقت بأدب السجون طيلة عقود، كما في رواية (مسك الكفاية) التي هرب منها خارج السجن وسطوته زمنيا ومكانيا إلى عوالم أخرى في التاريخ العربي وجغرافية الجزيرة العربية زمن حكم الخليفة العباسي، مستخدما الأصوات المتعددة في العمل الروائي ليطرح أسئلة أبعد من أسئلة السجن والأسر".

وتشير عدوان إلى أن أدب السجون انتقل بشكل نوعي لأدب اليافعين والأطفال، وكان هذا النوع من الأدب جديدا على كتابات الحركة الأسيرة، ولعل الروائي وليد دقة الأسير في سجن جلبوع عام 2017 هو أول من تطرق لذلك، مطلقا العنان لخياله الطفولي ليتجاوز كل النمطية التي سادت أدب السجون ككل، ففي روايته "سر الزيت" شاركت الحيوانات وشجرة الزيتون الطفل البطل سؤال الحرية.

الروايات والحكايات وسيلة الأسرى وسلاحهم السري لمقاومة الاحتلال، ومقاومة الظلم تبدأ بالكلام، والقصد من الكتابة، كما يقول الناقد الفلسطيني تحسين يقين، مقاومة القوة الغاشمة والرد على قهر الإنسان، فضلا عن أن تجارب الأسر تزيد وعي الأمة بطبيعة العدو، وتزيد قدرتها على مواجهته، لكون الأسرى الفلسطينيين هم من أكثر الفئات معرفة بحقيقة الاحتلال، من خلال تواصلهم اليومي مع أجهزة التحقيق الشديدة التعذيب بنوعيه البدني والنفسي، ثم في ما بعد مع منظومة المعتقل، التي تقوم على القمع والتعنيف والسخرية بهم.

ويضيف يقين "إن تفاصيل حياة الأسرى مؤلمة جدا، لدرجة أنه من سنوات طويلة لم يعد بإمكان الأسرى لمس ذويهم خلال الزيارة، كما تم استخدام التواصل من خلال سماعة التلفون، مما يجعل هذا التواصل صعبا. إنها فعلا طبيعة الاحتلال، التي اختبرها الأسرى إلى آخر مدى، بعيدا عن الادعاء والتمثيل، فكما أن عيش الفلسطينيين تحت الاحتلال هو حصار وسجن كبير، فكيف بالمعتقل؟ وللعلم فقد ظهر العديد من الأسرى المحررين، بوصفهم كتابا وباحثين في الشؤون الإسرائيلية، زاد من ذلك تعلمهم اللغة العبرية داخل المعتقلات".

ويصف يقين طبيعة وملامح الكتابات خلف الجدران المعتمة، ويقول "إن كتابات الأسرى ورسائلهم إلى الأهل تشكل أدبيات وشهادات وأحلاما وأفكارا، تنضج مع الزمن، وتجد لها شكلا أدبيا معينا، وبعض هؤلاء استمر في الكتابة بعد تحررهم، كما حدث مع الكاتب عصمت أسعد، والكاتبة المناضلة عائشة عودة، حيث كنت شاهدا على الفصول الأولى من روايتها (أحلام بالحرية)، وحين دفعت أوراقها لي قبل عقدين، دهشت من المستوى الأدبي الراقي الذي بدأت به".

ويختم يقين قائلا إن المضمون يخلق شكله؛ "فقد كانت الرفيقة عائشة تحت تأثير احتمال الاعتقال، وكانت تكتب عن تفاصيل المكان الذي ستحرم منه طويلا، كذلك فعل الكاتب والقاص حسن عبد الله في مجموعته القصصية (عروسان في الثلج)، وأيضا نضجت التجربة الشعرية للشاعر المتوكل طه خلال الاعتقال في الانتفاضة الأولى".

 








طباعة
  • المشاهدات: 3002

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم