17-03-2024 09:30 AM
بقلم : د. عدلي قندح
مع قرب إنتهاء الربع الأول من العام 2024، ما تزال الأسواق العالمية تواجه سلسلة من الصعوبات والمخاطر التي قد تؤثر بشكل كبير على الأداء الاقتصادي العالمي في نهاية هذا العام اذا ما طال أمدها، وهذا ما هو متوقع حسب ما تشير اليه التوقعات من مختلف المصادر العالمية. فقد دخل علينا هذا العام قبل شهرين ونصف الشهر محملاً بالتوترات الجيوسياسية، والتحولات الاقتصادية، والمشاكل المالية التي تتطلب التصدي لها بحكمة وفعالية. دعونا نستكشف بعض هذه التحديات ونقف عند الفرص التي يمكن استغلالها:
يتخوف المرقبون من أن يعمل استمرار التوترات الاقتصادية والسياسية على تعريض الاقتصادات العالمية لخطر الدخول بالركود. فطول أمد التشديد النقدي وتباطؤ النمو في مناطق مختلفة من العالم يجعل السوق عرضة للتقلبات، مما يتطلب من السياسات الاقتصادية والمالية التصدي لهذا الخطر. فبعد أن نجحت السياسات النقدية في محاربة التضخم العالمي الى حد كبير لا بد لها من الالتفات بجدية لمسألة انعاش الاقتصاد باستخدام الادوات المالية والنقدية المتوفرة.
في جانب المالية العامة، يظل تزايد الديون واعتماد الاقتصادات على التمويل بالعجز تحدياً كبيراً. فمع مستويات الديون المتزايدة، تتصاعد المخاطر المالية وتزيد الضغوط على السياسات المالية للبلدان، وهنا تأتي أهمية معرفة الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذا الارتفاع، والتي قد تشمل تباطؤ النمو الاقتصادي، والتكاليف العالية للحروب والأزمات، وزيادة الإنفاق الحكومي. ومن أبرز التأثيرات السلبية لزيادة مستويات الديون على الاقتصادات الوطنية، نذكر تضخم الدين العام وتقليل هامش السيطرة على السياسات المالية والنقدية. ومن هنا تأتي أهمية تبني سياسات مالية ونقدية مستدامة تعزز النمو الاقتصادي وتخفف من حجم الدين العام.
في قطاع العقارات، يواجه قطاع العقارات السكنية والتجارية تحديات كبيرة، فبعد جائحة كوفيد-19، ظهرت هناك تغييرات في نمط العمل والاقتصاد تهدد قيمة العقارات التجارية، بسبب التضخم وارتفاع معدلات الفائدة. ومن هنا تأتي أهمية اعطاء هذا القطاع الاهمية اللازمة لانه يؤثر على العديد من القطاعات وأهمها البنوك.
ويرى المراقبون أن هناك تباينا في التوقعات بين البنوك المركزية والأسواق المالية حول السياسة النقدية. فمع إستمرار معدلات الفائدة المرتفعة لفترة طويلة بدأ ذلك ينعكس سلباً على الاستثمارات والنمو الاقتصادي رغم انخفاض معدلات التضخم بشكل كبير.
وتظهر البيانات الشهرية المتتالية أن هناك تباطؤا في معدلات التضخم، إلا أن المخاوف تبقى واقعية من عودته للتسارع مجدداً بسبب استمرار الاضطرابات الجيوسياسية في الاقليم والعالم. لذا، نرى أن البنوك المركزية بين نارين؛ فمن جهة يجب عليها التحلي باليقظة واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع ارتفاع الأسعار، وبنفس الوقت المساهمة في تحقيق معدلات نمو اقتصادي مستدامة.
كما أن هناك إجماعا أن تظل التوترات الجيوسياسية مصدر قلق، فمع استمرار الصراعات في مناطق مختلفة من العالم وتنامي التنافس بين القوى العظمى، يجب على الأسواق الاستعداد لتأثيرات هذه التطورات على الاقتصاد العالمي.
ومع كل هذه التحديات، هناك أيضاً فرص للنمو والتطور. ويكون ذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي، وتطبيق السياسات الاقتصادية السليمة، والاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا فهذا من شأنه أن يسهم في تحقيق نمو مستدام ومتوازن.
في الشرق الأوسط، تبرز دول مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة كنماذج للاستخدام الفعال للسياسات والموارد في تعزيز التنمية الاقتصادية وتحقيق التقدم. تتبنى هذه الدول استراتيجيات واضحة ومدروسة لاستثمار عوائد الموارد المتاحة لديها، مثل النفط والغاز، بطريقة تعزز النمو الاقتصادي وتعمل على تحقيق التنمية المستدامة. بالإضافة إلى ذلك، تولي هذه الدول اهتمامًا كبيرًا لتطوير البنية التحتية وتنويع قواعد الاقتصاد للتخفيف من اعتمادها على النفط والغاز.
مقابل ذلك، هناك دول أخرى في المنطقة تواجه تحديات في استغلال مواردها بصورة فعالة. بعض هذه الدول تعاني من غياب الرقابة البرلمانية والإعلامية الفعالة، مما يؤدي إلى تبديد الموارد. تعيش هذه الدول في منطقة الراحة منذ أمد بعيد، وهذا بلا أدنى شك يؤثر على التحرك نحو التقدم والتطور الاقتصادي. يمكن أن يكون غياب الإصلاحات الهيكلية والشفافية في هذه الدول عائقًا أمام تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحقيق الرخاء لمواطنيها. لذلك، يظهر الفارق بين الدول التي تستثمر بشكل فعال في تطوير مواردها وتعزيز البنية التحتية، وبين الدول التي تفتقر إلى هذه الإدارة الفعالة والاستغلال المثمر للموارد.
يبقى عام 2024 مليئاً بالتحديات والمخاطر، لكنه أيضاً يقدم فرصاً للابتكار والتطور. يجب على الحكومات والمؤسسات الاقتصادية والمستثمرين أن يتعاملوا مع هذه التحديات بحكمة وتصميم، مع التركيز على بناء اقتصادات أكثر مرونة واستدامة في المستقبل.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-03-2024 09:30 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |