18-03-2024 11:57 AM
بقلم : يوسف رجا الرفاعي
جاؤوا طالبين العون والغوث والنصرة والمدد ، جاؤوا بلهفة الغريق للحياة جاؤوا يطلبون النجدة ، يا امير المؤمنين القدس تغرق بدماء أبنائها ، ايها الخليفة أغِثنا !!! فما كان من الخليفة إلا ان فاجئهم بسؤال لم يخطر على قلب بشر في ظل احوال يعيشها اهل بيت المقدس تنخلع لهولها القلوب من الصدور فتسقط في البطون لفظاعة الاجرام الذي يرتكبه الصليبييون بالمسلمين وبمن في القدس جميعا ،
إذ بالخليفة يسألهم ؛ ألم تروا حمامتي البلقاء؟
لقد افتقدتها وغداً يوم سباق نقر الحمام !!!!!
لقد كان الخليفة مولعاً بالحمام وكانت له حمامة اسمها " البلقاء "وكان جُلّ همه فوز حمامته البلقاء في مسابقة تسمى نقر الحمام فما كان يشغله شيء عن هذه الهواية التي هي اسمى طموحه واكبر همِّه بل هي اعظم فِعاله .
في زمن كان اردى من زمن ملوك الطوائف عندما دخل الصليبييون ارض بيت المقدس وقد كانت الامة الاسلامية قد دخلت في ظلام الانقسام والتشرذم والتشتت والضياع، انقسامات ضربت طول البلاد وعرضها ولم تقف عند حدود الانقسامات بل تعدتها إلى صراعات ونزاعات بين كل ما نشأ عن تلك الانقسامات من إمارات ودويلات ونشبت بين أبناء العمومة حروبا طاحنه في عموم البلاد وتحالف الاخوة مع الاعداء ضد ابناء العمومة والقرابة وابناء الامة الواحده بل اكثر من ذلك فقد كان الاخوة يدفعون الجزية للصليبيين ويمدونهم بكل ما يطلبون وزياده وذلك استنجادا بهم لينتصر الاخ على اخيه .
جاء الوفد من بيت المقدس الى الخليفة العباسي يحمل معه بعض جماجم المسلمين الذين قُتِلوا وضفائر من شَعر النساء اللواتي أُغتُصِبن وقُتِلنَ في بيت المقدس واكنافه في أبشع جريمة ارتُكِبَت في ذلك الزمان حيث قُتل من اهل بيت المقدس الاف مؤلفة حتى ان الخيل كانت تغوص في الدماء التي كانت تلامس بطونها لكثرة القتل ، جاؤوا بهذا كله لعله يثير الحمية ويحرك في الخليفة مشاعر السخط والغضب على من فعل بهم هذه الأفاعيل ويعلن النفير العام نصرةً وانتقاماً لهم ، ولكن انشغال الخليفة بالإعداد ليوم سباق نقر الحمام مَنَعَه من الاستماع لما يقولون أو النظر الى ما كانوا يحملون ، فالمسابقة غداً والأمر خطب وجلل اذا لم تَفُز حمامته البلقاء ولا يتقدم على هذا السباق شيء مهما عَظُم ،
فيا لها من خيبةٍ مفجعةٍ ويا لها من صدمةٍ شديدةٍ على ذلك الوفد الذي آتى مستجيراً يطلب النجدة ويرجوا الغوث والمدد .
ما اشد واصعب الخور اذا ما اصاب هذه الامة وكم هو قاسٍ خذلانها لبعضها البعض عندما ينعطف بها التاريخ الى ظلماتٍ تهوي بها الى قيعان الذُل والمهانة والتمزق وخسران الكرامه ، وما اشبه اليوم بالبارحه
فها هي اليوم تعيش في مرحلة من الخور والخذلان ما لا يُصدِّقه عدوٌ او صديق ، لم يبقَ من مفهوم الامة الاسلامية والعربية الا مفرداتُ كلمات ، وإنّ اعدائها
الذين يتربصون بها الدوائر يعملون بلا كلل ولا ملل على اثارة العصبية والاقليمية والمذهبية والعشائرية لزيادة تفككها وانهيارها بالكامل .
كانت قضية فلسطين هي القضية المركزية للامة العربية والاسلامية في بقاع الأرض كلها، ثم اشتغل على تفكيك وهدم هذا المعتقد وهذا المفهوم اعداء هذه الامة الذين لبسوا كل الاقنعة التي تساقطت بعد طول ارتداءها وبانت الوجوه على حقيقتها بعد هذا الطوفان الذي جَرَفَ معه كل المظاهر الخادعة التي عاش الناس في وهمها قرناً من الزمان ، ونجحوا الى حدٍّ بعيد في هذا الذي ارادوا ، فكانت الخطوة الاولى أن جعلوا هذه القضية وحوَّلوها من قضية مركزية الى قضية عاديه ضمن قضايا الامة المتعدده، ثم جعلوها قضية عربية ، ثم قضية فلسطينية حصريه الى ان وصلنا اليوم الى انها قضية غزة فقط ونحن على ما يبدو على مشارف ان تصبح قضية غزه شماليه وجنوبيه خالصة لقاطنيها من دون العرب والمسلمين.
إن الخشية اليوم ان يصل المنشغلون بتفكيك اواصر هذه الأمة وتشتيت شملها وتمزيقها الى ان يصبح كل فرد فيها لا يعنيه شيء سوى ما يخصّ شخصه فقط ولا يعنيه من امر هذه الامة شيء على الاطلاق واقصى طموح واعلى غايه ان يكون له حمامة كحمامة الخليفة " البلقاء " تفوز بمسابقة نقر الحمام .
كل الامة يراودها وتستحضر في ذهنها في هذه الايام العصيبة من تاريخها صلاح الدين الأيوبى وسيرته العطرة وتطمع ان يجعل الله فيها هذا الرجل القائد العظيم البطل الذي تحررت على يديه القدس وسائر بلاد المسلمين ولكن كما قال احدهم لن يكون فيكم صلاح الدين إلا بصلاح الدين .
يوسف رجا الرفاعي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-03-2024 11:57 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |