19-03-2024 09:09 AM
سرايا - يحتضن العراق مئات الجوامع والمساجد التاريخية، التي ما زالت شامخة رغم مرور الزمن، وتقف شاهدا على تاريخ الحضارة الإسلامية في بلاد الرافدين، وإرثها الذي لا يندثر.
وبدأ الفتح الإسلامي للعراق في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، في حين كانت البصرة أول مدينة أقامها المسلمون في العراق في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد اختطها عتبة بن غزوان عام 14 أو 15 للهجرة، ثم تلتها الكوفة، التي اختطها سعد بن أبي وقاص سنة 17 هـ، ويعد مسجد البصرة ومسجد الكوفة أقدم مساجد العراق.
ويقول الباحث والمؤرخ العراقي علي النشمي إن بناء المساجد في العراق شهد اهتماما كبيرا خلال حكم الدولتين الأموية والعباسية، وإن المسجد أصبح في ذلك الوقت مركزا من مراكز الحياة العامة، يجتمع فيه الناس لسماع قرارات الدولة وتحفظ فيه أموال المسلمين.
ويفسر النشمي "لذا كان له دور كبير في حياة المجتمع الإسلامي ونهضته دينيا وفكريا وسياسيا، كما أن معظم المساجد كانت مراكز إشعاع حضاري، وجامعات علمية مكتملة التخصصات، يتلقى فيها الطلبة مختلف العلوم على أيدي علماء متمكنين من تخصصاتهم".
وأشار إلى أن بغداد والكوفة والبصرة والموصل ساهمت بشكل فعّال في بناء اللغة، ومنها انشقت المدارس اللغوية الأخرى، وكانت أولى المدن الإسلامية التي تدرس في مساجدها العلوم الصرفة مثل الفلك والكيمياء.
بغداد
وتابع قائلا "تحتوي العاصمة بغداد على عدد كبير من الجوامع والمساجد، منها 912 جامعا تقام فيها صلاة الجمعة، و149 مسجدا صغيرا تقام فيها الصلوات الخمس فقط"، مبينا أن جامع الخلفاء في بغداد إلى جانب جامعي المنصور والرصافة من أكبر جوامع المدينة التاريخية، التي كانت تقام فيها صلاة الجمعة خلال القرون الأربعة الأخيرة من الخلافة العباسية".
ويسرد المؤرخ العراقي جانبا من تاريخ بناء جامع الخلفاء، بالقول: "إن الجامع بني في القرن الثالث الهجري في زمن الخليفة المكتفي بالله، أي أن منارته صامدة منذ أكثر من 1200 سنة، ما يجعلها من أقدم المنارات في العالم، كما يضم الجامع قاعة مصلى ثُمانية الشكل، تعلوها قبة عليها زخرفة بالخط الكوفي، يبلغ ارتفاعها نحو 7 أمتار، بالإضافة إلى الارتفاع الأساسي للبناء الذي يبلغ نحو 14 مترا، كما توجد هناك 3 أروقة تؤدي إلى المصلى".
وأضاف النشمي أن البغداديين يطلقون على منارة جامع الخلفاء "منارة سوق الغزل" نسبة إلى السوق الشعبي المعروف، وقد أُعيد ترميم الجامع في ستينيات القرن الماضي دون المساس بالمنارة، من باب الحفاظ على قيمتها الأثرية.
وبُني جامع الخلفاء بين عامي (289-295هـ/902-908م)، وقد ذكره الرحالة ابن بطوطة عند زيارته لبغداد عام 727هـ/1327م.
وكانت منارة الجامع أعلى منارة يمكن رؤية بغداد من على مئذنتها، وكان ارتفاعها 35 مترا، وسقطت المنارة وهُدم الجامع عام 670هـ/1271م، وأعيد بناؤهما عام 678هـ/1279م.
سامراء
ومن أشهر الجوامع في العراق كذلك جامع سامراء، الذي اشتهر بمئذنته الفريدة من نوعها، وقد بني في عهد الخليفة المتوكل على الله بين عامي 234 و237 هـ.
وكان الجامع في وقته الأكبر في العالم الإسلامي، وهو من أروع المنشآت ذات الأثر في تلك الحقبة من تاريخ الأمة الإسلامية، وما زالت آثاره تُشاهد حتى الآن مع مئذنته الملوية شمال غرب مدينة سامراء الحالية، وتعد أضخم وأبرز الآثار الباقية من مباني المدينة القديمة.
وتعد سامراء من أمهات المدن العراقية القديمة، وما زالت تزخر بالآثار الإسلامية، وتقع المدينة على الضفة الشرقية لنهر دجلة، وتبعد نحو 118 كيلومترا إلى الشمال من العاصمة بغداد، وقد بناها الخليفة العباسي المعتصم بالله سنة (221هـ/835م) فكانت عاصمة الخلافة العباسية.
كما أن جامع النوري في مدينة الموصل، الذي يُعرف بـ(الجامع الكبير) لسعته وعظمة بنيانه، من مساجد العراق التاريخية، ويقع في الساحل الأيمن (الغربي) للموصل، وتسمى المنطقة المحيطة بالجامع محلة الجامع الكبير.
وبُني الجامع في عهد السلطان نور الدين محمود زنكي في القرن السادس الهجري، ويعد ثاني جامع يُبنى في الموصل بعد الجامع الأموي، وقد أُعيد إعماره عدة مرات، كان آخرها عام 1363هـ/1944م. ويشتهر الجامع بمنارته المحدبة نحو الشرق، وهي الجزء الوحيد المتبقي في مكانه من البناء الأصلي.