21-03-2024 01:16 PM
بقلم : غاندي النعانعة
"إن أول ما ينبغي أن يبدأ به الإنسان من أصناف السياسة نفسه، إذ كانت نفسه أقرب الأشياء إليه وأكرمها، و و أولاها بعنايته، و متى أحسن سياسة نفسه لم يعي بما فوقها من سياسة المصر " ابن سينا
ينقل لنا العالم، و الطبيب المسلم( الحسين بن عبد الله)، المعروف بابن سينا، تأثره الكبير بالثقافة اليونانية، و الحضارة العربية ، إذ أن العديد من أعماله تغطي جملة واسعة من الموضوعات ، تمثلها في إرثه العلمي الذي ظل أساسا في العديد من ميادين المعرفة،فكان له النفوذ الواسع على التفكير الطبي والفلسفي في العصور اللاحقة، مما يبرز أهميته كشخصية لامعة في تاريخ الحضارة العلمية،و الانسانية.
و مثلما كان لابن سينا مصنفات في الطب، و الأدب، فإن له إسهامات مميزة في مجال السياسة، والفلسفة السياسية، تناول عبرها قضايا الحكم والمجتمع، فهو يُعتبر على ذلك واحدًا من أعظم الفلاسفة في تاريخ الحضارة الانسانية.
و يأتي كتابه "السياسة" كمثال موجز نستطيع أن نستشف منه بعضا من تلك الأراء السياسية التي تناول فيها الإنسان و السلطة المسيرة له بطريقة فلسفية واضحة وشارحة، مما يجعله مصدرًا للنظرية السياسية ثمينا، و عابرا للزمن.
وفي هذا الكتاب، يظهر ابن سينا تأثيرًا عظيمًا في تطوير الفكر السياسي والفلسفي، استمرت مداخلاته في اثراء النقاش والتفكير حول قضايا السياسة لقرون عديدة،و في عواصم، ومدن بعيدة.
فيُقسِّم ابن سينا كتابه" السياسة" إلى أقسام، تحدث فيها عن التفاوت بين الناس في الصفات والرُّتب، ومن ثم أورد كلاما يوضح فيه الأسباب التي دعته إلى هذا التقسيم، استعرض عبره ضرورة السياسة، و سياسة الرجل نفسه، و سياسة الرجل دخله وخرجه، و سياسة الرجل أهله،و سياسة الرجل ولده،و سياسته خدمه، و نظريته حول الفرد و الأسرة و الدول،أدرج فيها ما يؤمن به عن إيمانه بأن الحاكمية الصالحة تستند إلى المعرفة والحكمة، و أن السياسي الناجح يجب أن يكون شخصًا مثقفًا، ومتعلمًا،و فيلسوفا، قادرًا على فهم احتياجات المجتمع، و يوجهه نحو الرفاه والرخاء.
و على الرغم من أنه أمن بنظرية التفاوت بين البشر وأهميتها في تسخير الموارد و المؤهلات في عمارة الأرض، إلا أنه ركز على أهمية العدالة ،و شدد على ضرورة تحقيق المساواة لبث السلام في المجتمع،و رأى في العدالة أساسًا للاستقرار،وهو مبدأ يرسي تحقيق التوازن بين فئات المجتمع، فتطرق إلى كمال عمل الأنظمة السياسية حين تعتمد في مسلكها على العقلانية، والمرونة.
و فيما يتعلق بفلسفته السياسية، قام ابن سينا بدمج نظرته الفلسفية مع نظرته الطبية،رابطا بين الحكمة والصحة العامة، حيث اعتبر السياسة الصحيحة جزءًا من علاج المجتمع، مما يجسد رؤية متكاملة للحياة الاجتماعية والسياسية، ليستعرض فلسفته حول العقوبات، ودورها في فرض الانضباط، واحقاق الحق في المجتمع.
و في رؤيته المثالية للحكومات،غايتها الوصول إلى الفعل الإيجابي الذي يمكن أن يحققه السياسي في تحسين حياة المواطنين، كل بحسب قدرته، أكد ابن سينا على أهمية وجود سياسة ذكية وعادلة، تتفهم قوانين الطبيعة و تقود المجتمع نحو الرفاه والتقدم. فنراه يُشدد على ضرورة التسامح و العناية بتوفير العدالة الاجتماعية، وحماية حقوق الأفراد، لنرى أن تأثره بفكر أفلاطون وأرسطو، مضيفا إليها تفسيراته الخاصة وأفكاره الأصلية، أخذه الى ناحية انسانية زاوج فيها بين الأخلاق والسياسة، معتبرا أن الهدف النهائي للإنسان هو السعادة، مبتدئا كتابه من سياسة المرء لنفسه و لما حوله، و منتهيا إلى سياسته لوجوده كله.
إن فهم ابن سينا للأخلاق السياسية يعكس تواشجا بين الفكر اليوناني والقيم الإسلامية، يسعى من خلاله (الشيخ الرئيس) إلى تحقيق العدالة والرفاه للمجتمع، و يظهر رؤية شاملة للإنسان ومجتمعه، مما يسهم في دواعي الأخلاق والسياسة وكيفية تطبيق الأفراد لها في حياتهم اليومية؛ فنجده معرجا على فكرة التعليم و اتخاذ الصنعة، مؤكدًا أن تبني الأخلاق لدى الأفراد على مختلف مشاربهم يسهم في تطوير المجتمع بأكمله،فالتعليم عنده وسيلة لبناء مجتمع متقدم ومعافى.
لقد كانت السياسة عند ابن سينا تتميز برؤية واقعية تصر على دور الحكمة والعدالة في تحقيق التقدم والاستقرار في المجتمع،ولقد كان هذا الوعي حاضرا في ذهنه،منظما العلاقة بين قاع الهرم السياسي و قمته، مما نصبه واحدًا من العقول المتميزة في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي، و العالمي .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-03-2024 01:16 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |