21-03-2024 01:22 PM
بقلم : فداء المرايات
تُبنى الدولة وتدار وفقاً لأنظمة صارمة ، ومؤسسات متخصصة تعرف كيفية التعامل مع المتغيرات ومواكبة الحاجات الانسانية والوطنية بما يتناغم مع الزمان والمكان والإمكانيات ودوائر الخطر ، حيث يقول أرسطو أن الإنسان حيوان مديني ولولا الحاجة لدولة المدينة لما استطاع التقدم فهو يحتاج دوماً للأمن الذي يوفر له الحماية من خلال مظلة كبيرة وواسعة تسمى الدولة ، وهذا ما نفهمه من حديث أرسطو وغيره بأن دولة المدينة التي تطورت عبر التاريخ وأصبحت دول كبيرة للبشر بشكلها المعاصر لولاها لما استطاع الانسان صنع الحضارة ولبقي يعيش في قرى الصيادين الأولى والغابات دون تأطير بشري واضح.
ومن جهة أخرى يفسر أرسطو أن نشوء الدول يعزى سببه إلى أهمية تبادل الحاجات وتوزيع الاختصاصات بين البشر ، وهذه وظيفة الدولة الثانية بعد توفير الأمن، واليوم في عالمنا المعاصر نفهم جيداً أن الدولة تعبر عن مركز قوة وليس معسكر كبير للعاطفيين ، حيث لها في تفاعلاتها الداخلية والخارجية قوالب خاصة متزنة تحتكم إلى ما تملك وما يمكن إحرازه وما مدى تبعات كل موقف.
ومن هنا فإنه مهما امتلكت الدولة من المرونة إلا أنه من غير الممكن أن تقودها العاطفة أو تحركها تيارات التباكي دون دراسة متعمقة لكل تحرك ، فالعالم اليوم كرقعة شطرنج معقدة ، حيث تتنوع المصالح والعلاقات ، كما وتتقاطع وتتوازى هذه التعاونات بين الدول والفواعل الدولية بشكل عام والدول فيما بينها بشكل خاص وفقاً لكل مرحلة ، لتشكل لوحة النظام الدولي التي يصعب على المندفعين فهمها، وعلى رقعة الشطرنج تلك لا يمكن التكهن بالخطوات القادمة ولكن الحكمة التي تمارسها كل دولة تلعب دوراً هاماً في امتلاك الوقت وابطاء تسارع الأحداث واحتواء أي طارىء.
ولأن السياسة هي ((علم المستجدات)) يعاني البعض من مترقبي نشرات الأخبار أو الجالسين في الصالونات السياسية والمراكز المشرعنة أو المرخصة وفقاً لأجندات خاصة من نظرة مجزوءة وأحادية للمشهد لكل مايحدث في الشرق الأوسط، ويعود ذلك لجمود العقل العربي بشكل عام والتأزم الوجداني لتلك الفئات من المتسيسين بشكل خاص ناهيك عن وقوع البعض منهم ضحايا الأدلجة والتوجيه، حيث يتم ممارسة التنظير المستمر والاستشراف السياسي، والتنافخ معرفياً وتاريخياً وعروبياً والموجه على منطق التخوين مع اتقان فن الرقص على جميع الأوتار والذي تمارسه كل تلك التيارات العكسية لتخلق حالة من الفوضى.
وعلى الرغم من تنوع انتماءات الانسان العربي وفقاً للدولة والدين بشكل رئيسي ولفئات أقل من الدولة ( تنطوي تحت سيادتها ) كأحزاب وجماعات وغيرها بشكل ثانوي ، إلا أنه وبالرغم من كل تلك الحداثة، استمر الانسان العربي بالنظر نحو أي قضية عربية معاصرة بعقلية كلاسيكية تنتمي لشعارات لا تواكب ضخامة المشهد الدولي وتطوراته العسكرية والاقتصادية (كاستخدام شعارات التخوين ومطالبات فتح الحدود وتراشق الاتهامات والطعن في رموز الأوطان وتحشيد الشعوب)، وللانصاف أكثر فإن الكثير من هذه الدعوات يقودها شعور القهر في وجدان العربي صوب أخيه العربي، ولأن مشاعر الجماهير والبسطاء أنقى من فهم كل معضلات الدول يُطالب الأغلبية بهذه المطالب وتظل مطالبهم شرعية ولا بد منها بل ونقية وحسنة النوايا طالما تخلو من خطابات التخوين أو التمني لأي دولة أخرى بالأذى، ولكن ولأننا لا نعيش في (يوتيوبيا) فإن البعض وبعدد ليس بقليل يركب موجة كل جديد ويستثمر كل طاقته في توجيه الجماهير نحو هذا التأزم لحسابات خاصة وتصفيات خارجية ، ولأن الصورة تزداد قتامة في كل مرة نسهب فيها فهذه الفئات التي تحاول تصدر المشهد تخلق في وعي البسطاء شعارات فضفاضة ذات أبعاد اسلامية تارة وعربية أخرى في ظاهرها الحرية والانتصار وفي باطنها محاصصات ومكاسب ، ومن خلف كواليسها تقسيمات وخرائط جديدة وكان الربيع العربي مثالاً كبيراً ودرساً قاسياً في تردي الأوضاع لكثير من الدول والشعوب.
وعليه فإن كل دعوة خالية من التخوين ومثمنة لجهد أي طرف عربي يقدم ويساعد فهي دعوة صادقة.
وكل دعوة مهما احتضنت من شعارات ولكن يرافقها ويتزامن معها تأجيج واتهامات بل وتمر مرور الانتقاص من كل مبادرة وطنية شريفة فهي دعوات خراب وفتنة مهما تنافخت وتشدقت بالحرية.
فالحذر مِن كل مَن يكيد لوطننا ويحاول انتزاع الامان منا والحذر من سماسرة الحروب على الشعوب وتجار الدم، وفي الختام ((إذا أردت أن تعرف من أشعل النار فابحث عن المستفيد)).
فداء المرايات
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-03-2024 01:22 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |