24-03-2024 10:13 AM
بقلم : د. عدلي قندح
قرار مجلس الإحتياطي الفيدرالي، بإجماع الأثني عشر عضواً، بالاحتفاظ بمعدلات الفائدة عند مستوياتها 5.25 – 5.5% دون تغيير منذ تموز/يوليو 2023، وفي الوقت نفسه إشارته إلى إمكانية خفضها، غالباً في شهر حزيران/يونيو المقبل، وفقاً لأكثر التوقعات دقة، أثار إهتمامًا وتكهنات كبيرة بين المستثمرين والاقتصاديين على حد سواء. ونعلم أن هذا هو معدل الفائدة الخامس الذي يتخطاه بنك الاحتياطي الفيدرالي على التوالي، ما يعني أن سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية لا يزال عند أعلى مستوياته منذ 23 عامًا، حيث قام الاحتياطي الفيدرالي آخر مرة برفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في 26 تموز/يوليو 2023. وقد وصل اجمالي الرفع لأسعار الفائدة 525 نقطة أساس في الفترة منذ آذار/مارس 2022 إلى تموز/ يوليو 2023، في 11 اجتماعًا، بهدف محاربة التضخم القياسي الذي وصل في أميركا إلى أعلى مستوياته في أكثر من 40 عامًا. فقد إرتفع إلى 9.1% في حزيران/يونيو 2022، ثم عاد لينخفض إلى 3.2% في شباط/فبراير 2024.
يأتي هذا القرار في خضم خلفية من التوترات الجيوسياسية المتصاعدة وعدم اليقين الاقتصادي على الصعيدين العالمي والأميركي المحلي، بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بالتضخم وتأثيره المحتمل على إستقرار الاقتصاد.
توقعات محدثة من أعضاء لجنة السياسة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي تظهر متوسط ثلاثة تخفيضات لمعدلات الفائدة في العام 2024 بمقدار ربع نقطة في كل مرة، مما يشير إلى بدء تنفيذ السياسة النقدية التوسعية التي تهدف إلى دعم النمو الاقتصادي. وهذا الموقف يذكر بالتوقعات التي أبداها صانعو السياسات في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، مما يعكس التزاماَ مستمراً بتحفيز الاقتصاد رغم التحديات المستمرة.
لاحظنا أن ردود الفعل من المستثمرين كانت إيجابية لافتة للنظر، حيث ارتفعت جميع المؤشرات الرئيسية للأسهم إلى مستويات قياسية، مع قفز مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 1% أو 401 نقطة بعد القرار، مما يعكس التفاؤل بشأن التزام الاحتياطي الفيدرالي بدعم الأسواق المالية وتعزيز النشاط الاقتصادي.
ومع ذلك، على الرغم من أن قرار الاحتياطي الفيدرالي قد أعطى المستثمرين إشارة إيجابية في البداية، إلا أنه يبرز أيضًا الاستمرار في عدم اليقين المحيط بالتوقعات الاقتصادية. وعلى الرغم من الاعتراف بأن التضخم تجاوز التوقعات في الشهرين الأولين من العام الحالي، أكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن التوقعات الأساسية للنمو الاقتصادي لم تتغير، مع استمرار النشاط القوي في سوق العمل وانخفاض معدلات التضخم، مما يتيح للفيدرالي الاقتراب من هذا الاتجاه بحرص.
من الواضح أن تصريحات باول تسلط الضوء على التوازن الحساس الذي يواجه الاحتياطي الفيدرالي مع تطور المشهد الاقتصادي المتغير. البنوك المركزية تحرص على مراقبة التحديات التضخمية بعناية، مع ضمان أن إجراءاتها على مستوى السياسات لا تضر بالانتعاش الاقتصادي الشامل. وعليه، فإن العناية المستمرة والمرونة ستكونان أمرين أساسيين حيث يواصل صناع السياسات التنقل في المشهد الاقتصادي المعقد.
نظرًا لذلك، فإن العواقب الناجمة عن قرار الاحتياطي الفيدرالي بالاحتفاظ بمعدلات الفائدة دون تغيير مع إشارة إلى خفض محتمل في المستقبل ستعتمد بشكل كبير على كيفية تطور الظروف الاقتصادية خلال الأشهر القادمة. إذا استمرت التحديات التضخمية أو تفاقمت ما فوق التوقعات، فقد يواجه الاحتياطي الفيدرالي ضغوطًا متزايدة لتنفيذ إجراءات سياسة نقدية أكثر عدوانية للحد من التضخم. على الجانب الآخر، إذا استمرت التحديات التضخمية في التراجع وظل النمو الاقتصادي قويًا، فقد يختار الاحتياطي الفيدرالي نهجًا أكثر تدريجيا للتعديلات في معدلات الفائدة.
ومن المهم أيضًا مراقبة ردود فعل البنوك المركزية العالمية الأخرى على هذه التطورات. فقد يتبنى البنك المركزي الأوروبي وبنوك مركزية أخرى سياسات مماثلة لتلك التي يتبناها الاحتياطي الفيدرالي في محاولة لدعم النمو الاقتصادي وتخفيف ضغوط التضخم. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الإجراءات المتناسقة بين البنوك المركزية الكبرى إلى تخفيف التوترات على الأسواق المالية العالمية وتعزيز الثقة في النمو الاقتصادي المستدام. ومع ذلك، خالف البنك المركزي السويسري كل التوقعات حيث قام يوم الخميس الماضي بتخفيض أسعار الفائدة بخمسة وعشرين نقطة أساس الى 1.5% الامر الذي أدى الى انخفاض سعر الفرنك السويسري مقابل الدولار. وسبق ذلك البنك المركزي الياباني قبل أيام قليلة برفع نسبة فائدته الرئيسية واضعاً حداً لسياسة معدل الفائدة السلبي التي كان آخر مصرف مركزي في العالم يعتمدها، مستنداً في ذلك الى زيادة في الأجور سُجِلت مؤخراً في البلاد.
في الأردن، ثبَّتَ البنك المركزي أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية عند مستوياتها الحالية كما هو متوقع لتتماشى سياسته النقدية مع اتجاهات السياسات النقدية في مختلف دول المنطقة والعالم، وذلك حفاظاً على الاستقرار النقدي والمالي في المملكة.
من المهم أن ندرك أن السياسات النقدية للبنوك المركزية الكبرى تلعب دورًا حاسمًا في توجيه الاتجاهات الاقتصادية العالمية، وعليه يجب أن تكون هذه السياسات موضوعة على أساس من التوازن والحذر، مع التركيز على تحقيق التوازن بين دعم النمو الاقتصادي والحفاظ على استقرار الأسواق المالية ومكافحة التضخم المفرط.
لذا، يتطلب التحدي الذي تواجهه البنوك المركزية الكبرى اليوم استمرار التواصل والتنسيق الدولي بينها، بالإضافة إلى التركيز على الشفافية والتوازن في اتخاذ القرارات النقدية. ويجب أن تكون السياسات النقدية قادرة على التكيف بسرعة مع التحولات الاقتصادية والجيوسياسية، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الاستقرار والثقة في الأسواق المالية العالمية.
من المتوقع أن تستمر التحديات الاقتصادية والسياسية هذا العام، مما يعني أن السياستين النقدية والاقتصادية ستظلان تحت المجهر، ومن المهم أن تظل البنوك المركزية حذرة ومستعدة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة أي تحديات جديدة قد تطرأ على الأسواق المالية العالمية.
الرأي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
24-03-2024 10:13 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |