26-03-2024 04:54 AM
سرايا - تقول الكاتبة الأميركية ورئيسة قسم كتابة السيناريو في كلية السينما في لوس أنجلوس ليندا كاوغيل، "حين تحمّل الحبكة أكثر مما ينبغي من الحدث، فأنت لن تزوّد الحبكة بما يكفي من الشخصيات والعاطفة، ولن يكون لديك وقت لإدخال ردود فعل الشخصيّات على الصراع".
فما بالك إذا كان حدثك عنفيا ودمويا بصيغة مقحمة، ودون بناء متين وفق مبررّات مقنعة، وذرائع وافية، تمنح الحكاية طريق تصاعدها العميق نحو الذرى المطلوبة!
من المؤكد أنه عندما يصير العنف مجرّد استنساخ مجاني لواقع مضطرب، فإن النتيجة ستكون إعادة تصويره للقسوة بطريقة مربكة وسيكون الهدف بقصد أو دونه بمثابة تكريس الجريمة وجعلها أسلوب حياة!
هذا بالضبط ما يحصل مع المسلسل السوري "ولاد بديعة"، وهو من تأليف علي وجيه ويامن حجلي، وإخراج رشا شربتجي، وبطولة كل من سلافة معمار، وسامر إسماعيل، ومحمود نصر، وفادي صبيح، وروزينا لاذقاني، وتيسير إدريس.
العمل الذي بيع إلى شركة إنتاج سورية على عجل، ومن دون وجود حلقات مكتوبة، إنما على ملخص شامل وبضمانة مخرجة "بيّاعة" اعتادت أن توقف أعمالها الشارع السوري على قدم واحدة، فأنجزت الحلقات بسرعة قياسية، ودارت الكاميرا بنفس الوتيرة، ثم تمت الاستعانة بمخرج آخر هو علي علي كمنقذ للموقف من أجل اللحاق بالموسم الرمضاني.
بدأ عرض المسلسل وذهب نحو إثارة بلبلة واضحة منذ بداية عرضه بسبب البنية الحكائية التي تطغى عليها الخيارات الفجّة والمباشَرة الفظّة، والسعي المحموم وراء تحقيق "الترند" رغم أن مفهوم القيمة يشيّد عداء جذريا مع هذا المنطق التجاري الاستهلاكي!
تنطلق قصة "ولاد بديعة" عبر زمنين مختلفين، في منطقة الدبّاغات بدمشق، وتحديدا من رجل ميسور له وزنه في السوق هو عارف الدباغ (فادي صبيح) واللحظة التي يرزق فيها بمولود جديد يسمّيه "مختار" بعد سنوات من الصبر وعدم الإنجاب، يتعرف حينها على سيدة مختّلة لا تجيد الكلام (إمارات رزق) فينجب منها ولدين غير شرعيين هما ياسين وشاهين، تبدأ معهما مسيرة طويلة من الأحداث الدموية، والعنف المبالغ فيه، والقسوة المفتعلة، وتقفي أثر السلوكيات الإجرامية، دون أدنى عناية بصوغ المبررات المطلوبة، والتمتين اللازم للحلول.
فمنذ انطلاق المطارح التأسيسية للحكاية تبدو الهلهلة الصريحة في صوغ الحبكة هي السمة السائدة، إذ لن يكون مقنعا انحدار رجل مقتدر لا ينقصه شيء نحو الاعتداء على سيدة مختلة لا تجيد الكلام، وقد أمضت غالبية سنوات عمرها مشرّدة في الشارع، عدا عن الاستفادة الواضحة لدرجة القص واللصق من السينما المصرية القديمة وتحديدا من فيلم "توت توت" (كتابة عصام الشمّاع وإخراج عاطف سالم أنتج سنة 1993 بطولة نبيلة عبيد التي أدّت دور مختلة يتم استغلالها من رجل غني يلعب دوره سعيد صالح يستدرجها ويتركها حامل بطفل).
إلا أن الفرضية في المسلسل السوري خارج السياق الصحيح والمبرر دراميا خلافا للفيلم المصري، حتى في الحوار الساذج الذي يدور بعد سنوات طويلة بين عارف الدباغ وزوجته يعترف فيه بأنه اعتدى على ابنة الشارع بسبب إحساسه بالنقص تجاه زوجته كونها ابنة عائلة مترفة، تنازلت حتى قبلت الزواج به ومن ثم أذلّته بسبب الفوارق الطبقية بينهما. لكن لا يمكن تبرير الاعتداء على امرأة مستضعفة ومختلة ومشردة، إلا من شخص مضطرب لديه نقص واضح، وهذا غير موجود نهائيا في شخصية عارف الدبّاغ التي أدّاها ببراعة فادي صبيح!
بعد ذلك سيتدحرج المسلسل إلى مطارح موغلة في الاستعراض المجاني على مستوى الحبكة، والشغل الخارجي بالنسبة للسوية الأدائية عند غالبية الممثلين خاصة في الاعتماد على لوازم حركية ولفظية، دون إحساس عميق بمنطق الشخصية، قد يكون ذلك لأن أغلب شخوص الحكاية عائمة على السطح لا تملك ذلك العمق الكافي للخوض فيه، ومحاولة استحضار حالات نفسية يمكن الاشتغال عليها.
لذا فإن التجسيد "البرّاني" على مستوى الأداء سيبدو سمة ظاهرة في شغل سكر (سلافة معمار) التي تعتمد في منطقها التجسيدي على الصراخ والعويل والأداء الخارجي، وهو ذاته الذي يعتمد عليه محمود نصر، فيما يظلّ يامن حجلي عالقا عند الأدوات التمثيلية ذاتها التي ظهر عليها في مسلسل "أيّام الدراسة" أي نفس نبرة الصوت وحركات الجسد والانفعالات الحسية ما عدا المشهد الذي يتخاصم فيه مع شقيقته وقد لعباه بعمق لافت.