28-03-2024 10:51 AM
بقلم : السفير قيس شقير
لا تبعد عمّان عن القدس، ولا عن غزّة كثيرًا بلغة الجغرافيا، وإن كان بينهم حواجز. وبلغة القلوب، فهما أقرب إلينا لارتباطنا بالقضية الفلسطينية من بلفورٍ، وما قبله. وما نصر الكرامة التي أحيينا ذكراها قبل أيامٍ الّا مرحلةً سطر بها الأردن صفحةً مضيئةً في ظلامٍ كحّل تاريخ الصراع بهزيمتين فارقتين عامي 1948, و 1967.
وكان لعمّأن عاصمة القرار السياسي أن تتخذ قرار الحرب - في حينه- رغم تداعيات "نكسة حزيران" فتلجم أوهام النزهة التي جالت خاطر المعتدي، فتنتصر عمّان للقدس، ببطولاتٍ للجيش العربي الأردني أوصلت رسالةً مفادها أننا قادرون أن ننتصر رغم ما حلّ بنا قبل سنةٍ من المعركة، وأنّ الكرامة محفوظةٌ أعاد الجيش العربي المصطفوي، كما كان يُطلق عليه قائده الأعلى في حينه، المغفور له الحسين بن طلال، بيرقها حين ساند جيشي مصر وسوريا في معركة 6 أكتوبر عام 1973.
وكانت القدس، وتظلّ بوصلة الأمّة ومحطّ أنظارها، لا تغيب عن البال، حمل الأردن النصيب الأكبر من شرف حمايتها من مخططات الضمّ، والتهويد، والتدنيس. وتظلّ الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس رغم حجم التحديات على الأرض، السد المانع لكل مخططات إسرائيل للاستيلاء على الحرم القدسي الذي نجح الأردن أن يحافظ على وضعه القانوني والتاريخي وقفًا اسلاميًا خالصًا ضمن مئةٍ وأربعةٍ وأربعين دونمًا تشكل مساحته باعترافٍ دوليٍ، وتأكيدٍ يتكرر على ضرورة الحفاظ على الوضع القائم هذا، ودور الوصاية الهاشمية التي يتولّاها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله.
وما أن نزف جرح غزّة بسيل الدماء الذي لم ينقطع حتى اليوم، إلّا وكان للأردن " فزعته" ملكًا وحكومةً وشعبًا، فكانت الدبلوماسية الأردنية بقيادة جلالته أول من تحرّك رفضًا وادانةً وسعيًا لتعديل الموقف السياسي الدولي الذي انحاز لرواية المعتدي، فكان لزامًا على الدبلوماسية الأردنية ثنائيًا، وفي إطار جامعة الدول العربية أن تضاعف الجهد حتى تستقيم رواية ما يجري على الأرض من عدوانٍ لم نر مثله في تاريخ الصراع، وغيره من الصراعات، ولو بالحدّ الأدنى.
وأمام هول الكارثة التي حلّت بإخوتنا في غزة، وأمام صلف المعتدي، وإصراره على تجويع شعبٍ بأكمله، بادر الأردن بما جعل غيره يحذو حذوه، فأنزل إغاثات إنسانية من الجوّ، كانت السبيل المتاح لتجاوز منع إسرائيل دخول المساعدات من البرّ، وأقام قبلها، مستشفياتٍ ميدانيةً في غزة ونابلس، فيما تسابق أبناء الأردن الطّيب عشائر وعائلاتٍ وجمعياتٍ ورابطاتٍ في جمع المساعدات الإنسانية من غذاءٍ ودواءٍ وتأمين وصولها الى أهلنا المنكوبين ما أمكنهم ذلك، وسجلت وسائط التواصل الاجتماعي مبادراتٍ جماعيةٍ وفردية للنشامى وهم يشغّلون مخابزَ في غزة، ويوصلون سيارات إسعافٍ، ويوزعون المواد الغذائية، والأدوية بجهودٍ فرديةٍ تُثلج صدور من آلمه خذلان غزة في كارثتها، وقلة ذات يد عديدٍ من الجهات الدولية المنوط بها القيام بالواجب، نتيجة الروح الانتقامية التي غلّفت العدوان على غزة.
هذا هو الأردن، وهؤلاء هم أبناؤه؛ سباقون إلى أداء الواجب بحبٍّ وتضحيةٍ، توّاقون لإغاثة أخوتهم، لا يتردّدون في سبيل ذلك برهةً.
سينتهي العدوان على غزة مهما طال، كما انتهت سابقاته، وسيكون الأردني أول من يدخل غزة حاملًا بين دفتي قلبه الغوث مكلّلًا بحبٍ وإصرارٍ أن تعود غزة لحضن أمتها عزيزةً آمنةً، فلا بدّ لمنطق الحق أن يغلب، فنحقّق ما يبدو اليوم حلمًا، وهو في الواقع حتميةٌ تاريخيةٌ انتهى بها كل احتلالٍ مهما طال أمده.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
28-03-2024 10:51 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |