31-03-2024 09:19 AM
سرايا - منذ دخول الإسلام إلى بريطانيا مع أوائل التجار المسلمين الذين وصلوا إليها في القرن الـ17، وأعداد المساجد في بريطانيا تزداد وتنتشر في كل أرجاء البلاد. ومع اقتراب عدد المسلمين في المملكة المتحدة اليوم من 4 ملايين، تخطى عدد المساجد في بريطانيا اليوم أكثر من 1500 مسجد.
وتزخر البلاد بعدد كبير من المساجد التاريخية ذات الطراز المعماري الفريد والزخرفة الإسلامية البديعة، التي باتت قبلة لمسلمي بريطانيا على مدار العام، ولا سيما في شهر رمضان الكريم والمناسبات الدينية كعيدي الفطر والأضحى. وتجذب مساجد بريطانيا عديدا من الزوار لأهميتها ومكانتها المقدسة بالنسبة للمسلمين وتصميمها المتميز والمعبر عن فن الهندسة المعمارية الإسلامية، كما كانت مقصدا مهما لكثير من السياح من مختلف الديانات.
ويعود بناء أول مسجد إلى سنة 1860 على يد البحارة الصوماليين واليمنيين خلال رحلاتهم بين عدن وكارديف (عاصمة ويلز وأكبر مدنها، جنوب المملكة المتحدة)، وكان أقرب ما يكون إلى مصلى. ووفقا للمؤرخين، فقد بدأ المسلمون المهاجرون إلى بريطانيا بتأسيس أماكن للصلاة في البيوت أولا، ثم ما لبثت أن تحولت مع مرور الوقت وتوفر المال إلى مساجد.
يعد مسجد لندن المركزي واحدا من أكبر الصروح وأهم المعالم الإسلامية والثقافية في المملكة المتحدة. ويعد المسجد قبلة المسلمين في العاصمة البريطانية، لا سيما في الأعياد والمناسبات الإسلامية وشهر رمضان. فلا تكتمل زيارة العاصمة لندن من دون مشاهدة المسجد الرئيس بها، وهو مسجد ريجنت بارك بقبته الذهبية الضخمة.
جاء تشييد المسجد بعد جهود ومحاولات عدة في العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين لبناء مسجد وسط العاصمة البريطانية. وكان من بين هذه الجهود تلك التي قام بها اللورد هيدلي، الذي اعتنق الإسلام عام 1913 وغير اسمه إلى الشيخ رحمة الله الفاروق قبل أن يتوفى عام 1953. وتكللت هذه الجهود بعد إقناع حكومة رئيس الوزراء البريطاني الراحل وينستون تشرشل بتخصيص أرض لإقامة مسجد عليها عام 1940. ومنحت قطعة الأرض المميزة الملاصقة لحديقة "ريجينت" الشهيرة وسط لندن للجالية المسلمة لإقامة مسجد عليها.
وتأسس المسجد عام 1944 كمركز مؤقت، قبل أن يبدأ بناؤه بصورته الحالية عام 1974، ليكتمل التشييد عام 1978. وصمم المسجد السير فريدريك جيبيرد، الذي فاز من بين تصاميم أخرى عديدة في مسابقة دولية. ويضم مبنى المسجد مئذنة بيضاء اللون ترتفع لنحو 50 مترا، وفي أعلاها هلال، وبجانبها قبة نحاسية وهلال. وتتميز قبة المسجد من الداخل بفسيفساء، كما تتألف جدرانه ونوافذه الضخمة من ألواح خشبية بديعة، صممت بشكل يسمح لأكبر قدر من الضوء بالنفاذ إلى داخل المسجد، خاصة مع ندرة ضوء الشمس في أشهر الشتاء في عاصمة الضباب.
ويضم المسجد عديدا من المرافق التي تنظم فيها نشاطات وفعاليات، سواء كانت أكاديمية أو احتفالية، حيث توجد قاعة كبيرة للمحاضرات ومكتبة ضخمة تحتوي على قرابة 24 ألف كتاب، فضلا عن متجر مميز للكتب والعطور، وبعض السلع ذات الطابع الإسلامي.
ويقدم المركز الثقافي الإسلامي الملحق بالمسجد خدمات تعليمية تشمل مدرسة لتعليم اللغة العربية والدراسات الإسلامية لنحو 350 طالبا من مختلف الجنسيات والخلفيات الثقافية. ويفد الطلاب إلى المدرسة في عطلة نهاية الأسبوع لتلقي الدروس التي تعزز الثقافة العربية والإسلامية في المجتمع البريطاني. ويضطلع المركز كذلك بمهمة تعزيز التعاون في مجالات الحوار بين الأديان وتعزيز ثقافة السلام والتعايش بين أتباع الديانات المختلفة في المجتمع.
وللمسجد دور محوري في تقديم الخدمات والمساعدات التي يحتاجها أبناء الجالية المسلمة في ما يتعلق بتنظيم الحياة الأسرية والزوجية من خلال الإجابة عن جميع الاستفسارات وتقديم المشورة الدينية بشكل يضمن الاستقرار والاندماج في المجتمع البريطاني المتنوع. ويقدم كذلك خدمات إصدار وتوثيق شهادات الزواج والطلاق واعتناق الإسلام، وفقا لمسؤولي المسجد.
ويتبنى المسجد والمركز الثقافي كذلك مبادرات مثل مبادرة "المسلم الجديد" وهي شبكة دعم مجتمعي لأولئك الساعين للتعرف على الإسلام ومعتنقي الدين الحنيف حديثا والساعين لتعلم المزيد عنه. وتضم هذه الشبكة ما يزيد على 4 آلاف شخص من هذه الفئات.
وتصدر عن المركز الثقافي التابع للمسجد مجلة أكاديمية فصلية كل 3 أشهر بعنوان "المجلة الإسلامية الفصلية" تحمل مقالات بحثية عديدة عن الحضارة الإسلامية وموضوعات تهم الباحثين في مجال التراث الإسلامي.
ويقول المسؤولون عن المسجد إنه يتحول في شهر رمضان الكريم إلى قبلة لمسلمي العاصمة الذين يتوافدون عليه لأداء الصلوات، ولا سيما صلوات الفجر والمغرب والتراويح.
ورغم حداثة بنائه، إلا أن مسجد كامبردج الكبير بات واحدا من أشهر مساجد المملكة المتحدة السنوات القليلة الماضية. فالمسجد يتميز بكونه أول مسجد صديق للبيئة في أوروبا. وبدأت عملية إنشائه عام 2008 عندما تقدم الطلاب المسلمون في المدينة بطلب إلى تيموثي وينتر، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة كامبردج من أجل بناء مسجد بعد أن أصبحت المساجد الأربعة بالمدينة لا تتسع لأعداد المصلين المتزايدة.
وتم شراء الأرض اللازمة لبناء المسجد بمبادرة من وينتر، وشارك نحو 10 آلاف شخص ومؤسسة، وبينهم مؤسسات من قطر وتركيا، في التبرع لبناء المسجد. وتم تنظيم مسابقة لاختيار تصميم يراعي مفهوم العمارة والفن الإسلاميين والحفاظ على البيئة. ويتكون المسجد من حديقة ومدخل ذي أعمدة وباحة المسجد ومكان للوضوء ومكان لتغسيل الموتى.
وانتهى بناء المسجد، الذي يتسع لألف شخص، في أبريل 2019 وافتتح بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه. واستخدمت في بنائه مواد طبيعية، مثل الأخشاب والرخام، كما يتميز بخاصية "صفر بصمة كربونية". وتم تركيب لوحات طاقة شمسية فوق سطح المسجد لتوليد الكهرباء، حيث إن 30% من احتياجات المسجد من الكهرباء يتم توليدها من هذه اللوحات في الشتاء وتصل هذه النسبة إلى 40% خلال الصيف.
وتوجد مضخات حرارية فوق سطح المسجد تقوم بنقل الهواء الساخن إلى خزانات كبيرة تستخدم في تسخين المياه، ثم تستخدم هذه المياه في الوضوء وتسخين أرضية المسجد عبر تمريرها من أنابيب أسفل السجاد المفروش في أرضية المسجد. كما يوجد بالمسجد مستشعرات تعمل في حال نقص كمية الأكسجين أو ارتفاع درجة الحرارة داخل المسجد، وتقوم بسحب الهواء الساخن المخزن ثم يضخ في شكل هواء نظيف من خلال فتحات موجودة بجدران المسجد.
وبات المسجد من جمال تصميمه وحداثته وتوافقه مع البيئة قبلة للمسلمين وحتى غير المسلمين، وفقا للمسؤولين عنه. فبعض الزوار يأتون من مدن أخرى بعيدة فقط لرؤية المسجد والصلاة فيه، علاوة على اهتمام غير المسلمين برؤيته.
ويضطلع المسجد بدور توعوي كبير للمسلمين في المدينة التي تضم الجامعة العريقة، ولا سيما في شهر رمضان الكريم. فالمسجد عقد مؤخرا سلسلة من الندوات والأنشطة التي تحدث فيها خبراء تغذية عن الاستعداد بشكل صحي للصيام في رمضان والعادات الغذائية والصحية والتمرينات الرياضية وتمرينات التأمل التي يجب اتباعها خلال الشهر الكريم.
أما مسجد شاه جهان، فيعود تاريخ بنائه إلى عام 1889 بتمويل من شاه جهان، وهي ملكة مسلمة حكمت إقليم "بهوبا" في الهند خلال القرن الـ19. وصمم المسجد المهندس البريطاني غوتليب لايتنر، ليكون مكانا للصلاة لطلاب "معهد الدراسات الشرقية" قرب بلدة ووكينغ في مقاطعة ساري.
وقام المهندس المعماري ويليام تشامبرز بتصميم المسجد مستخدما في بنائه مزيجا من الصخور والأحجار الكلسية، وكذلك الأحجار الرملية شديدة التحمل. واستلهم في تصميمه طراز العمارة العربية وغيرها، وهو ما تجلى في قبته المهيبة وعدد من المآذن المتفاوتة الطول، بجانب مداخله المقوسة.
وللمسجد تاريخ طويل خاصة مع الجالية الهندية المسلمة في بريطانيا، إذ كان مقصدا للموظفين الهنود الذين كانوا يعملون في حاشية الملكة فيكتوريا في نهاية القرن الـ19، وكان أبرزهم معلمها الهندي المسلم عبد الكريم، الذي كان يتردد على المسجد خلال زيارات الملكة لقلعة وندسور القريبة منه.
وتحول المسجد في مطلع القرن العشرين ليصبح مركزا رئيسيا للإسلام في بريطانيا. وخلال الحرب العالمية الأولى في الفترة من 1914 إلى 1918، وافقت السلطات البريطانية على تحويل قطعة أرض مجاورة له إلى مقبرة لدفن رفات الجنود الهنود المسلمين الذين لقوا حتفهم في المعارك ضمن صفوف الجيش البريطاني.
ورغم الفيضانات التي اجتاحت المجلس والمناطق السكنية المجاورة له صيف 2016، فإن ذلك لم يحل دون مواصلة المسجد لأداء دوره الديني والاجتماعي حتى اليوم.