02-04-2024 09:50 AM
بقلم : بلال حسن التل
هذه رسالة من قارئ جيد لتاريخ الإخوان المسلمين، الذين صار بعضهم يحب مسمى الحركة الإسلامية، مشاركا من حيث يدري أو لا يدري بطمس الاسم الأصلي للجماعة، وهو سلوك وان كان مبررا لفروع الإخوان المسلمين في دول اخرى، اجتثهم منها، بل صار الانتماء لهم فيها يستحق عقوبة الإعدام، أو السجن مدى الحياة، وفي أحسن الأحوال لم تكن تعترف باسم الإخوان المسلمين أو تتحسس منه، فصار اسمهم في لبنان الجماعة الإسلامية، وحركة مجتمع السلم في الجزائر، وحركة النهضة في تونس، والتنمية والعدالة في المغرب... الخ، بينما ظل اسم الإخوان المسلمين معترف به في الأردن قانونياً حتى يوم الناس هذا، وهذه واحدة تحسب للدولة الأردنية.
وقراءتي لتاريخ الحركة ليس من بطون الكتب فحسب، بل من أفواه رجال الحركة ودعاتها، فقد استمعت في بواكير وعيي إلى الكثير من محمد سعد الدين خليفة قائد جوالة الإخوان المسلمين في الضفتين في خمسينات القرن الماضي، ومن الحاج ممدوح الصرايرة قائد كتيبة «إخوان الأردن» في حرب فلسطين عام 1948، واستمعت أيضاً من أبي النور المصري في إربد، مثلما استمعت في إربد أيضاً من ياسر أبو الحسن ومحمود أبو ارشيد وكامل العمري وغيرهم.
وفي بواكير الشباب سمعت وعملت بمعية الحاج منصور الحياري والحاج حسين حياصات والحاج سليمان عربيات والدكتور عزت العزيزي، وهم كوكبة من الذين حملوا اعباء مرحلة التأسيس الأولى في الأردن، مع مؤسس «الجماعة» في الأردن الحاج عبد اللطيف أبو قورة، ثم توطدت علاقتي مع المراقب العام الثاني لـ"الجماعة» الأستاذ المرحوم محمد عبد الرحمن خليفة، وفي خارج الأردن استمعت وتعلمت من العلامة أبو الأعلى المودودي عندما أكرمني في بيته في لاهور باكستان، وحاورت محمد حامد أبو النصر المرشد العام الرابع لـ"الجماعة» في شقته بمنطقة المنيل بالقاهرة، وحاورت المستشار مأمون الهضيبي بمنزله في القاهرة يوم كان نائباً للمرشد العام، ثم بعد أن أصبح مرشداً عاماً، وتوطدت علاقتي بالأستاذ المرحوم صلاح شادي يوم كان نائباً للمرشد واستضفته في الأردن أياماً.
وتحاورت مع الشيخ فيصل المولوي والأستاذ إبراهيم المصري في لبنان، ومن سوريا استمعت إلى عصام العطار وحسن هويدي وعلي صدر الدين البيانوني وغيرهم، وتحاورت مع محفوظ النحناح وعبد الرحمن السعيدي من الجزائر، وشاركت بالإشراف على طباعة ونشر كتاب البوابة السوداء لمؤلفه أحمد رائف وهو أول كتاب يتحدث عن تعذيب الإخوان المسلمين في مصر، وقد طبع ونُشر في الأردن على نفقة والدي رحمه الله، ومثله كتاب عندما غابت الشمس لعبد الحليم خفاجة، وتوطدت الصداقة بيني وبين الأستاذ كمال الهلباوي منذ سبعنيات القرن الماضي، وشاركت في نشاطات مسجد ميونخ في ألمانيا، واستمتعت من راشد الغنوشي وغيرهم كثير، وقد أجمع هؤلاء جميعاً على أن الدولة الأردنية شكلت حاضنة حنونة للجماعة (الحركة الإسلامية)، يوم ضاقت عليها الأرض بما رحبت، وصار قادتها مطاردين في دولهم فلم يجدوا لهم مأوى إلا في الأردن الذي منح الكثيرين منهم جنسيته. مثل سعيد رمضان وغيره، بل لقد جاءت لحظة كادت فيها الحرب أن تقع بين الأردن وسوريا بسبب حماية الأردن للإخوان المسلمين (الحركة الاسلامية) الذين فروا من سوريا إلى الأردن طلباً للحماية. كما تحمل الأردن الكثير من جمال عبد الناصر ولم يقايضه بالحركة الإسلامية. وكذلك كان موقف الأردن مع العديد من الدول العربية التي كانت تعادي الإخوان المسلمين، لكن الأردن رفض المقايضة بهم مع هذه الدول.
والأردن هو الذي أطلق سراح الشيخ أحمد ياسين الذي كان محكوماً بالسجن مدى الحياة، وقد أصر الأردن على عودة الشيخ الى غزة، بعد انتهاء علاجه في مدينة الحسين الطبية، وهو الذي أنقذ حياة خالد مشعل، عندما حاول الموساد الاسرائيلي اغتياله، والأردن هو الذي استقبل موسى أبو مرزوق عندما أخرجته الولايات المتحدة الأمريكية من سجونها.
والقارئ لتاريخ الحركة الاسلامية في الأردن يكتشف ومن الوثائق ان جماعة الإخوان المسلمين في الاردن هي الجماعة الوحيدة من كل تفرعات الاخوان المسلمين في العالم التي تأسست وبدأت نشاطها برعاية راس الدولة، فقد تم افتتاح اول مقر للإخوان المسلمين في الاردن برعاية جلالة الملك المؤسس عبدالله بن الحسين، وبدا حفل الافتتاح بالسلام الملكي الاردني، وكان العلم الأردني يرفرف في جنبات الاحتفال، رافق ذلك وسبقه وتلاه مراسلات جرت بين جلالة الملك المؤسس ومؤسس الجماعة ومرشدها الأول الإمام حسن البنا، الذي أوفد صهره وأمين سر الجماعة عبد الحكيم عابدين للقاء جلالته.
منذ التأسيس ظلت «الجماعة» تعمل في كنف الدولة الأردنية، وصار من اعضائها وزراء واعيان ونواب،ناهيك عن تواجدهم في كل دوائر الدولة ومؤسساتها، ولم تمنعهم الدولة الأردنية من حقوقهم كمواطنين بسب انتمائهم للجماعة، كما فعلت الكثير من الدول معهم، وقد حفظت «الجماعة» في مراحلها السابقة الود للدولة، وتصرف عقلاؤها على أساس أن للدول التزاماتها التي تحكم قراراتها ومواقفها، ومن ذلك أنها في فتنة أيلول 1970 حيدت قواعد عملها الفدائي التي كانت تعرف بقواعد الشيوخ، فلم تتعرض لها القوات المسلحة الأردنية.
لقد ظلت حبال الود قائمة بين الحركة الاسلامية والدولة الأردنية ما دامت الحركة متمسكة بثوابتها، مقدرة لظروف الدولة الأردنية والتزاماتها، وهو مالم يعد كسابق عهده في كثير من المفاصل، وصارت بعض التيارات داخل الحركة تجنح إلى عدم مراعاة ظروف الدولة والتزاماتها، بل لقد ذهبت هذه التيارات الى بناء تحالفات ولجان تنسيق مع قوى سياسية هي امتداد لقوى نكلت بالحركة الإسلامية عندما كانت هذه القوى في تحكم دولا عربية، إضافة إلى ذلك فان هذه التيارات التي تعمل داخل الحركة الإسلامية لم تتعلم من الدروس التي تقول أنه ما من حركة سياسية أو دعوية غالبت الدولة إلا انكسر ظهرها، والشواهد على هذه الحقيقة كثيرة من مصر وسوريا وتونس... الخ. ومن تجارب الإخوان المسلمين في أكثر من بلد.
لذلك كله فأن على شباب الحركة الإسلامية قراءة التاريخ الحقيقي لحركتهم حتى لا يظلموا أنفسهم، وبلدهم الأردن، فليس من الفضل التنكر لدور الأردن في رعاية الحركة الاسلامية، وليس من الحكمة التلويح بالمغالبة، وليس من الحكمة أن تتحولوا إلى ستار لمن يريد الفتنة في بلدكم، بل الحكمة هي في البعد عن لغة المغالبة والندية للحفاظ على استقرار الأردن، وديمومة العمل الإسلامي الرشيد فيه كما كان لعقود طويلة.
الرأي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-04-2024 09:50 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |