08-04-2024 06:46 AM
سرايا - بينما كانت الفوضى تحيط بسارة؛ فتنتشر حولها الأتربة في كل مكان، ويفيض حوض المطبخ بالأطباق المتسخة، والفراش بحاجة إلى ترتيب، تقرر الشابة مشاهدة مقطع فيديو من بين آلاف المقاطع التي تحمل عنوان "نظفوا معي" (Clean with Me) لعلها تحصل على أفكار لتنظيف المنزل. تمرر إصبعها على الشاشة، وتتوالى مقاطع الفيديو، ويمر الوقت دون أن تشعر، فتصبح أكثر هدوءا رغم أن شيئا لم يتغيّر بالفوضى المحيطة بها.
سارة هي واحدة من بين ملايين النساء والرجال الذين يستمتعون بمشاهدة هذا النوع من مقاطع الفيديو، والتي تتشابه في كونها تدور حول الفكرة الرئيسية ذاتها على الرغم من اختلاف تفاصيلها؛ شخص ينظف منزله مستعرضا تفاصيل هذه العملية، من فرك الأحواض، وتنظيف الأرضيات وتبديل الملاءات وغيرها. بعض المقاطع طويل وتفصيلي، في حين يمتد البعض الآخر لأقل من دقيقة، لكنها تلقى رواجا كبيرا على مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
عام 2017 أطلقت أماندا بيج قناتها على يوتيوب، وبعد 6 أشهر فقط تمكنت من جني الأرباح عبر تصوير مقاطع لتنظيف منزلها، وقد لاحظت أنها تحصد قدرا عاليا من المشاهدات.
وبحسب لقائها مع صحيفة "ذا نيويورك تايمز" الأميركية، بلغ دخلها رقما مكونا من 6 أرقام، ما يكفيها لإعالة أسرتها وأبنائها الثلاثة في منزل شاسع المساحة.
وتضم قناتها أكثر من 400 ألف مشترك، وتعتبرها وظيفة بدوام كامل، إذ تحتاج لحوالي 40 ساعة عمل أسبوعيا لإنتاج المحتوى.
ما سر نجاح هذه المقاطع؟
يفسر العلماء الإقبال الكبير على مشاهدة هذه المقاطع بأنها تؤدي لشعور بالراحة يشبه الشعور الناتج عن التعرض لظاهرة تعرف باسم "أسمار" (ASMR) أو "استجابة القنوات الحسية الذاتية" (Autonomous Sensory Meridian Response).
يشير المصطلح إلى نوع من ردات الفعل يحدث عند التعرض لمحفزات معينة مسموعة أو مرئية، ويشبه وخزا يبدأ من فروة الرأس مرورا بمؤخرة العنق وحتى العمود الفقري.
وفي دراسة نشرت عام 2018، لاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين يمرون بهذه التجربة، شعروا بأعراض مثل الاسترخاء، وانخفاض معدل ضربات القلب، وازدياد المشاعر الإيجابية، بدرجة تشبه ما يحدث عند سماع الموسيقى أو ممارسة التأمل.
ويشرح أستاذ العلوم الحيوية بجامعة شيناندواه في ولاية فيرجينيا الأميركية كريغ ريتشارد في كتابه "وخزات الدماغ"، أن التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أشار إلى وجود تشابه بين المناطق التي يتم تنشيطها في الدماغ أثناء تجربة "أسمار"، وتلك التي تنشط أثناء السلوكيات العاطفية. ويرى أن مقاطع الفيديو المذكورة يمكن أن تؤدي إلى شعور بالراحة يشبه تجربة "أسمار"، خاصة لو كان مصحوبا بأصوات لطيفة، وحركات بطيئة نسبيا ويمكن التنبؤ بها.
وتختلف الاستجابة العصبية من شخص لآخر، إذ لا يشعر الجميع بهذه الاستجابة الحسية المتمثلة في الشعور بالوخز، لكن طبقا للطبيبة النفسية بجامعة إسكس في إنجلترا جوليا لارا بوريو، فحتى لو لم يشعر الجميع بالاستجابة نفسها، فهذا المحتوى يمكن أن يساعد المصابين بالاكتئاب ونوبات القلق واضطرابات النوم على التحسن. وهو ما أكدته دراسة أجريت في جامعة سوانسي وجدت أن 80% من المشاركين الذين تعرضوا لمحتوى "أسمار" أعربوا عن تأثيره الإيجابي على مزاجهم، بينما أشار 69% منهم إلى أنه خفف من شعورهم بالاكتئاب.
وقد أشار بحث نشره مركز"نبراسكا" الطبي في 2022 إلى إمكانية الاستفادة من هذه الظاهرة كأداة مستقبلية لتخفيف أعراض القلق والاكتئاب.