حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,25 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 13853

لماذا ليست كل أيامنا رمضان؟: نغمةٌ اجتماعيةٌ ونكهةٌ نفسيةٌ

لماذا ليست كل أيامنا رمضان؟: نغمةٌ اجتماعيةٌ ونكهةٌ نفسيةٌ

لماذا ليست كل أيامنا رمضان؟: نغمةٌ اجتماعيةٌ ونكهةٌ نفسيةٌ

09-04-2024 02:34 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. محمد عبدالله خميس اليخري
يودعنا شهر رمضان المبارك حاملاً معه نسائمَ التغيير والتجديد، ليس فقط على المستوى الروحي، بل وعلى مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك السلوكيات الاجتماعية والنفسية للأفراد. ومن بين الظواهر المميزة التي عشناها خلال هذا الشهر الكريم، انتظام الساعة الاجتماعية، اذ يتّسم المجتمع بجوّ من الهدوء والسكينة، وتقلّ بشكل ملحوظٍ الاتصالات والمطالبات فيما يخص العمل، ممّا يُتيح للفرد مساحةً خالصةً للتواصل مع عائلته وأصدقائه، دون أيّ ضغوطاتٍ خارجية. في هذا الشهر نتعلم حقا معنى كلمة "خصوصية" وتصبح شيئا مفروضا على الجميع دون أي طلب.
استوحيت فكرة هذا المقال من صديقة اسمها ميساء الشامي، إعلامية وتدير عملها الخاص في مدينة نابلس في فلسطين وعند مباركتي لها بقرب العيد اجابتني " والله انا بزعل بس يروح رمضان " وعندها وافقتها الرأي واخبرتها عن سبب حبي لرمضان أيضا بنظرية اجتماعية فأكملت " انا بحب رمضان لسبب ثاني" واكملت "بالإضافة لشعوري الروحاني، بس بعجبني انه في ٣٠ يوم من السنة، الناس بتحترم موعد اكلها مع العيلة، وهاد الوقت محرم على اي حدا يرنلك او يقطعك عن جمعتك، الكل بحترم موعد الإفطار، وبعطوك مبرر انك توقف كل اشي بين ايدك لو قد ما كان مهم عشان تفطر" ، استأذنتها في خطف هذه الفكرة منها وأكتب تحليلا اجتماعيا لهذه الظاهرة.
ما ذكرته الأخت ميساء في جُملها العفوية تفسرها نظرية اجتماعية ذات ابعاد عميقة وقيمة وهذه النظرية تسمى بنظرية " التقليد الاجتماعي". فما هذه النظرية؟
تُشير هذه النظرية إلى أنّ سلوكيات الأفراد تتأثّر بسلوكيات المحيطين بهم، خاصّةً إذا كانوا يتمتعون بمكانةٍ اجتماعيةٍ مرموقةٍ أو يُمثلون سلطةً معيّنةً. فمع رؤية الجميع يلتزمون بالصيام، يُصبح الصيام سلوكًا مُتوقّعًا، ممّا يدفع الفرد إلى الالتزام به أيضًا.
وهنا تتكون عناصر نظرية اجتماعية أخرى وتصبح مطبقة تلقائيا، هذه النظرية هي "نظرية الانتشار الاجتماعي"، اذ تُشير هذه النظرية إلى أنّ السلوكيات والأفكار تنتشر من شخصٍ لآخر من خلال التفاعل الاجتماعي، ممّا يُساهم في تشكيل السلوكيات الجماعية والثقافات على مرّ الزمن.
يتجلى الرابط بين هاتين النظريتين خلال شهر رمضان من خلال:
• الالتزام بالصيام: مع رؤية الجميع يلتزمون بالصيام، يُصبح الصيام سلوكًا مُتوقّعًا من الفرد، ممّا يدفعه إلى الالتزام به حتى لو لم يكن مُقتنعًا تمامًا بأهميته ويصبح احترام الصائمين واجبا على افراد المجتمع من اديان أخرى، فلا تراهم يأكلون ويشربون أمام أي شخص صائم ويحاولون تقليد عاداتهم وتقاليدهم.
• تقليل السلوكيات المُخلّة بالآداب: يُقلّل الأفراد من السلوكيات المُخلّة بالآداب، مثل اللعن والشتم، خلال شهر رمضان، وذلك احترامًا للمجتمع وللمشاعر الدينية للآخرين.
• زيادة السلوكيات الإيجابية: تزداد السلوكيات الإيجابية، مثل التصدق والمساعدة والتسامح والتحمل والايثار وغيرها من السلوكيات والأخلاق الحميدة، خلال شهر رمضان، وذلك رغبةً من الفرد في الاقتداء بسلوكيات الصالحين والتعبير عن إيمانه.
بعض الأمثلة التي تعكس مدلول نظرية الانتشار الاجتماعي ومنها:
• انتشار عاداتٍ وتقاليدٍ رمضانية: تنتشر عاداتٌ وتقاليدٌ رمضانيةٌ مُعيّنةٌ بين أفراد المجتمع، مثل تبادل التهاني والزيارات وصحون الأكل والتجمع على مائدة الإفطار في وقت محدد ونرى هذه العادات متشابهة لدرجة كبيرة جدا قد اجزم أحيانا بنسبة 100% في جميع المجتمعات الإسلامية.
• ازدياد الشعور بالانتماء: يُعزّز التزام الجميع بالصيام وتطبيق العادات والتقاليد الرمضانية الشعور بالانتماء إلى المجتمع الإسلامي، ممّا يُساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي. وهذا الشعور بالانتماء نابع عن التزام شخصي قوي جدا بالصيام، لدرجة اننا قد نحتقر أي شخص نراه مفطرا جهرا وبعض الحكومات فرضت عقوبات بغرامات مالية والحبس أحيانا لمن يتخلف عن الصيام ويجاهر به.
• التغيير في نمط الحياة: يُمكن أن يُؤدّي التزام الفرد بالصيام وتطبيق العادات والتقاليد الرمضانية إلى تغييرٍ في نمط حياته، مثل تحسين النظام الغذائي أو زيادة النشاط البدني خصوصا في الساعات القليلة ما قبل الإفطار، فتركيبة الجسم البيولوجية تتكيف بطريقة اعجازية لتتناسب مع الصيام ويصبح الجسم قادرا على التحمل بطريقة مذهلة.
وعندما تتحقق مخرجات النظريتين معا فإننا نلاحظ التالي:
• احترامٌ مُتبادلٌ للوقت: مع حلول موعد الإفطار، يصبح الوقتُ مُقدّسًا، فلا يسمح أحدٌ لنفسه بإزعاج الآخرين أو إقحامهم في مشاغله وهنا يتحقق شرط الخصوصية واحترام الوقت والعائلة.
• التقارب العائلي: يُصبح الإفطار مناسبةً هامّةً للتواصل العائلي، حيث يجتمع أفراد العائلة حول مائدة الطعام، يتبادلون الأحاديث ويشاركون بعضهم البعض مشاعرهم وأحاسيسهم وبعدها تجمعهم صلاة المغرب والعشاء والتراويح كل منا يدعوا لنفسه ولعائلته بالتوفيق والنجاح وتذليل الصعاب والغنى.
• شعورٌ بالسكينة: يُساهم انضباط الساعة الاجتماعية في خلق جوّ من الهدوء والسكينة، ممّا يُساعد الفرد على الاسترخاء والتخلّص من التوتر والقلق والشعور بالتقصير إزاء العمل ومشاغل الحياة.
• الشعور بالإنجاز: يُضفي الصيام على الفرد شعورًا بالإنجاز، خاصّةً مع القدرة على التحكّم بالنفس ومقاومة الإغراءات.

تُؤكّد كل من نظرية التقليد الاجتماعي والانتشار الاجتماعي على أهمية الشعور بالانتماء إلى مجموعةٍ اجتماعيةٍ في تعزيز الالتزام بالقواعد والمعايير المُتّبعة في تلك المجموعة. فمع شعور الفرد بالانتماء إلى المجتمع الإسلامي، يُصبح الصيام وسلوكياته المرتبطة به واجبًا دينيًا واجتماعيًا، ممّا يدفعه إلى الالتزام به بشكلٍ أكبر.
وهنا تتكون لدينا حالة مجتمعية تسمى بالأدراك المجتمعي وتُفسر هذه النظرية سلوكيات الأفراد من خلال تفاعلهم مع المحيط الاجتماعي. فمع تقييم الفرد لتصرفات الآخرين وتقييم المجتمع لها، يُصبح الصيام سلوكًا إيجابيًا يُعزّز مكانة الفرد في المجتمع، ممّا يدفعه إلى الالتزام به.

فلماذا لا نجعل كل ايامانا رمضان؟ لماذا لا نحافظ على هذا النشاط والشعور بالإنجاز وتجنب السلوكيات السيئة طوال أيام السنة لماذا لا نحافظ على قيم الاحترام المتبادل للوقت وللعائلة وننشر قيم التقارب العائلي حتى نشعر بالسكينة، لماذا تستيقظ انسانيتنا في رمضان فقط ونصبح مثل الشياطين في باقي الأشهر؟ لماذا ينقص معيار شعورنا بالانتماء لمجتمعنا ووطننا في أيام غير أيام هذا الشهر الفضيل؟ لماذا لا نسامح ولا نعفو ولا نحث على فعل الخير طيلة أيام السنة؟ ماذا ينقصنا؟ أم سنعود ونقول السبب هو ان الشياطين مكبلة خلال هذا الشهر وعقولنا واخلاقنا تكبل بقية أيام السنة.








طباعة
  • المشاهدات: 13853
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
09-04-2024 02:34 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. ما خيارات ترامب للتعامل مع إيران بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم