18-04-2024 09:51 AM
بقلم : د. حمزه العكاليك
في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، تشكل بياناتنا الشخصية - من الأسماء والعناوين إلى السجلات المالية وعادات التصفح عبر الإنترنت - نسيجًا معقدًا لتفاصيل حياتنا اليومية.و تثير هذه البصمة الرقمية الآخذة في التوسع سؤالًا بالغ الأهمية: من يحمي هذه المعلومات الحساسة من سوء الاستخدام أو السرقة؟
لذلك، أصدرت الحكومة الأردنية قانون حماية البيانات الشخصية رقم 24 لسنة 2023 بشأن حماية البيانات الشخصية (Jordan PDPL) والذي نُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 17 سبتمبر 2023 كخطوة اولى في الاتجاه الصحيح. ويمثل القانون الذي يهدف إلى حماية البيانات الشخصية خطوة كبيرة في مجال الحوكمة القانونية ووضع القواعد القانونية لكيفية التعامل مع بيانات الاردنيين من قبل المؤسسات التي تجمع وتحلل هذه البيانات. فبعد مرور 28 سنه على بداية استخدام الإنترنت في الأردن، شكّل استمرار غياب الأطر التنظيمية المتعلقة بالتعامل مع بيانات الأردنيين حاجه ملحة لتشريع قانون حماية البيانات الشخصية. حيث يمنح هذا القانون الأفراد حقوقًا محددة تتعلق ببياناتهم الشخصية. تشمل هذه الاستحقاقات الحق في الوصول، وتصحيح الأخطاء، وطلب المحو ("الحق في النسيان")، وفرض قيود على معالجة البيانات، والاعتراض على أنشطة المعالجة، والحصول على نسخة منظمة من بياناتهم الشخصية.
وعليه فقد نص القانون على انشاء مجلس لحماية البيانات الشخصية، PDPL . أن مجلس حماية البيانات الشخصية هو حارس البيانات الذي يعمل كمراقب لخصوصية البيانات، مما يضمن تعامل المؤسسات مع المعلومات الشخصية بأقصى قدر من العناية. وتعد الواجبات المتوقعة لـ PDPB شاملة، وتتضمن مبادئ توجيهية واضحة، تشبه مدونة قواعد السلوك، وتملي كيفية قيام المؤسسات بجمع البيانات الشخصية وتخزينها واستخدامها. وتعزز هذه اللوائح الشفافية والمساءلة.ويكتسب الأفراد فهمًا واضحًا لكيفية التعامل مع معلوماتهم، مما يعزز الثقة في المشهد الرقمي. علاوة على ذلك، فإن PDPB ليس مجرد جهة تضع القواعد؛ فهو يتمتع بسلطة فرض الامتثال. تمامًا مثل حارس الأمن اليقظ، ويقوم المجلس بالتحقيق في الانتهاكات المحتملة وعدم الامتثال للوائح حماية البيانات. حيث تشكل قوة التنفيذ هذه على ردع الجهات ذات الاهداف التخريبية وتعزيز ممارسات الاستخدام المسؤول للبيانات عبر المؤسسات.
علاوة على ذلك، يعمل PDPB كمحكم مستقل في الحالات التي يعتقد فيها الأفراد أن حقوق البيانات الخاصة بهم قد تم انتهاكها. وتساعد هذه الآلية المحايدة لتسوية المنازعات على تمكين الأفراد من طلب الانصاف، وضمان ان هناك من يتابع ويراقب كيفية التعامل مع بيانات الاردنيين ويعالج الاشكالات الناتجة عن عدم التعامل السليم مع بيانات الاردنيين. وبالتالي، يجب أن يكون PDPB الجهه التي تعمل على حل النزاعات الناجمه عن مخالفة الاحكام والضوابط التي شرعها قانون حماية البيانات الشخصية لان الخلافات حول خصوصية البيانات أمر لا مفر منه. بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي للمجلس أن يكتفي بالرد على الشكاوى واما يجب ان يعزز الوعي بشكل استباقي وتثقيف كل من الشركات والجمهور حول حقوقهم ومسؤولياتهم. وهذا يعزز ثقافة أمن البيانات ويمكّن الأفراد من اتخاذ خيارات مستنيرة بشأن معلوماتهم.
بناءً على ذلك، يمكن لمجلس حماية البيانات أن يؤثر بشكل كبير على مشهد خصوصية البيانات بعدة طرق: فأولاً ولأقصى قدر من أمن البيانات المعزز: سيؤدي PDPB العمل المتناسق للمجلس الى تشريع بروتوكولات أمان بيانات أكثر صرامة، كمن يبني مظله قوية لضمان ألتأسيس الصيحيح للتعامل مع البيانات التي يتم جمعها. وهذا يقلل من مخاطر اختراق البيانات والوصول غير المصرح به، ويحمي معلوماتك الشخصية. وسيتم تحفيز المؤسسات على الاستثمار في تدابير الأمن السيبراني القوية للامتثال للوائح المجلس. وثانيًا، سيؤسس مجلس حماية اليانات لتصميم قواعد واضحه و شفافه للتعامل مع بيانات الاردنيين وستكون الشركات مسؤولة عن ممارساتها المتعلقة بالبيانات، مما يؤدي إلى اتباع نهج أكثر شفافية. وسيكون لدى الاردنيين فهم أوضح لكيفية جمع بياناتهم واستخدامها، مع مطالبة المؤسسات بالكشف عن هذه المعلومات مقدمًا. وهذا يعزز الثقة في المؤسسات التي يتم التفاعل معها عبر الإنترنت ويمكّن من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن من يتم مشاركته البيانات الشخصية.
والهدف الثالث هو زيادة تمكين الأفراد: وعليه سوف يتأرجح بندول السيطرة لصالح الافراد . وسيكون لديهم سيطرة أكبر على معلوماتهم الشخصية، مع الحق في الوصول إلى بياناتهم وتصحيحها وحتى مسحها في ظل ظروف معينة. يمكّن هذا من إدارة البصمه الرقمية واتخاذ قرارات مستنيرة حول كيفية مشاركة معلوماتك. ويمكن للمجلس أيضًا الدعوة إلى تطوير آليات سهلة الاستخدام للأفراد لممارسة حقوقهم في البيانات. رابعا،من المأمول ان يعزز المجلس بناء الثقة في العصر الرقمي: ويؤسس لإطار قوي لحماية البيانات،. وهذا يعزز بيئة رقمية أكثر أمانًا وصحة، حيث يمكن للجميع المشاركة بثقة. ومع اكتساب المستهلكين الثقة في التعامل المسؤول مع بياناتهم، فمن المرجح أن يشاركوا بشكل اكبر في عصر التحول الرقمي ، مما يؤدي إلى ازدهار الاقتصاد الرقمي. ويمكن للمجلس أيضًا أن يلعب دورًا في تعزيز التعاون الدولي بشأن معايير حماية البيانات، وإنشاء مساحة رقمية عالمية أكثر أمانًا.
يمثل إنشاء PDPBمجلس حماية البيانات الشخصية خطوة مهمة نحو حماية البيانات الشخصية للاردنيين وتعزيز الثقة بالتعامل مع الشبكة العنكبوتية. وبينما يؤسس تعيين اعضاء المجلس لتشريع الللوائح والضوابط المقرره بموجب قانون حماية البيانات الشخصية ويفرض الامتثال، يمكننا توقع مستقبل يتم فيه التعامل مع معلوماتنا الشخصية باحترام، واستخدامها بمسؤولية، وحمايتها من سوء الاستخدام. وهذا بدوره سيمهد الطريق لمساحة رقمية أكثر أمانًا وجديرة بالثقة للجميع. حيث يلعب PDPB دورًا محوريًا في تشكيل هذا المستقبل، مما يضمن بقاء خصوصية أنفسنا الرقمية تحت سيطرتنا.
وعلية فالطريق أمامنا هو لمستقبل تزدهر فيه الخصوصية
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-04-2024 09:51 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |