30-04-2024 04:59 PM
بقلم : السفير قيس شقير
تشي ثورة الجامعات الأمريكية التي بدأت في جامعة كولومبيا يوم الثامن عشر من الشهر الجاري، وامتدت بزخمٍ ووقتٍ قياسيين إلى نظيراتها في عددٍ من الولايات، وفي بعض دول أوروبا وفي كندا وأستراليا بتحوّلٍ محوريٍ في الرأي العام الدولي، قد لا يقتصر على نظرته إلى إسرئيل؛ الدولة التي تدّعي الديمقراطية، وتشكّل امتدادًا للغرب وثقافته، وحليفًا إستراتيجيًا، بل لا بدّ وأن يمتد إلى الموقف من الصراع العربي الإسرائيلي، لا الفلسطيني الإسرائيلي فحسب. إذ قد تعيد تداعيات الاحتجاجات الطالبية المستمرة - حتى اللحظة- رسم المشهد السياسي الدولي القائم راهنًا على نظرةٍ أحاديةٍ، ودعمٍ غير محدودٍ للرواية الإسرائيلية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. فالصوت الذي ارتفع وفاجأ الجميع في جامعات الغرب العريقة أتى من قادة فكرٍ ورأيٍ عامٍ تشكل نخبًا على مستوى الطلبة وأساتذتهم، وهي نخبٌ لها امتداداتٌ وتأثيراتٌ تصل إلى صانعي القرار في الولايات المتحدة ودولٍ أوروبيةٍ رئيسةٍ، وأخرى لا تقل أهمية وتأثيرًا.
ولم تعد شماعة العداء للسامية تحتمل تعليق أكثر مما عُلق عليها على مدار أكثر من سبعة عقود. ويبدو أن ما نشهده على الساحة السياسية الدولية منذ ستة أشهر ٍ ونيّف من مقاضاة لإسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهم الإبادة الجماعية، والفصل العنصري، ومذكراتٍ بالقبض على مسؤولين اسرائيليين كبارٍ تلوح من جانب المحكمة الجنائية الدولية، يبدو أن ذلك سيعيد رسم المشهد السياسي ليفرض وقائع جديدةً كان يُرجى حدوثها خلال عقودٍ، لا أشهر معدودات.
ولا يختلف المشهد السياسي على الساحة الإسرائيلية كثيرًا عمّا يعتمل ساحات العالم، فالخلافات السياسية، والجدل الذي لم يتمكن القادة الإسرائيليون من تأجيله لما بعد الحرب على قطاع غزة، تعزّز بارتفاع وتيرة احتجاجات أهالي الأسرى الإسرائيليين، وتضامن الرأي العام الإسرائيلي معهم، والذي بدأ يدرك أن الحرب لم تحقق أهدافها، وأن عودة الأسرى مرهونةٌ بصفقةٍ لا مفرّ من عقدها.
وإذا ما مضت الصفقة بما أعلن عنه من هدنةٍ تمتد لعامٍ، وما تناقلته بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية من استقالةٍ منتظرة بعدها، لهيرتسي هاليفي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، تتبعها استقالاتٌ لقادةٍ كبار غيره، قد يعجّل في محاكماتٍ منتظرةٍ لمسؤولين إسرائيليين في الجانب السياسي عمّا حصل في السابع من أكتوبر العام الماضي. وسيطوي الانتهاء المرتقب لحقبة نتنياهو صفحةً كتبت نهايةً لثقافة السلام في المنطقة واتفاقياته، والتي كانت الهدف الأول لحكمه الأطول مدةً، بالقضاء على حلّ الدولتين، وعلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ووأد مبادرة السلام العربية لعام 2002.
ورغم إخفاق مشروع قرار مجلس الأمن بالاعتراف بفلسطين دولةً كاملة العضوية بفيتو من جانب الولايات المتحدة، وامتناع دولتين عن التصويت، فإن زخم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والإقرار الدولي بضرورة حلّ الدولتين، والذي لا يستثني الولايات المتحدة، يدفع باتجاه العودة الى مسار السلام الذي أجهضته سياسة اليمين الإسرائيلي المتطرف. وإن كانت الحكومة الإسرائيلية الحالية هي الأكثر تطرفًا، فإن الوقائع التي ستلي اتمام الصفقة، والتي لا يبدو أن لنتنياهو مفرًا من التوقيع عليها - عاجلًا لا آجلًا - ستعيدنا الى الوراء حين اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف آنذاك، آرييل شارون لتجرّع سمّ الانسحاب من قطاع غزة، وتفكيك المستوطنات فيه.
إن القلق الذي ينتاب رئيس الوزراء الإسرائيلي من قرارٍ قد يصدر عن المحكمة الجنائية الدولية خلال أيامٍ، حسب صحفٍ إسرائيليةٍ، وتصريح وزير خارجيته بالتعامل مع تداعياته بامتناع المسؤولين المعنيين بالقرار، وعلى رأسهم نتنياهو عن السفر إلى خارج إسرائيل، والامتداد المتوقع للتظاهرات في جامعات الغرب، سيكون لهما ارتداداتهما على سياسة الدول أيضًا، والتي قد تجد نفسها ملزمةً بالإنصات لصوت الناخب فيها، لا سيما الأمريكي الذي يقترب موعد ذهابه لصندوق الاقتراع.
ولا بدّ حينها لعديدٍ من الدول الرئيسة من السعي لمعالجةٍ شاملةٍ لتداعيات الحرب على غزة، لا على صعيد اطلاق المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وحسب، بل وعلى مستوى الإقليم ككلٍ، سعيًا لإحلال السلام الشامل في المنطقة، والذي بات أكثر الحاحًا في ظل التصعيد الإقليمي الذي رافق عدوان إسرائيل على غزة، بما يحلّ الصراع العربي الإسرائيلي، ويحقق الاستقرار المنشود في المنطقة، ويُعيد مبادرة السلام العربية إلى الطاولة، تطبيقًا لحل الدولتين، ومعالجةً لما يعتري تطبيقه على الأرض، لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وقطاع غزة جزءٌ لا يتجزأ منها، وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي الطريق إلى هذا الهدف، فإن غوث أهلنا في غزة، والذين دفعوا ثمنًا باهظًا للعدوان الإسرائيلي، دمًا، ودموعًا، وتدميرًا فاق ما شهدته مدنٌ أوروبية خلال ست سنواتٍ من حربٍ كونيةٍ، لا ستة أشهرٍ، واجبٌ، أقله أن تُفتح المسارات للإغاثة العربية والدولية التي ننتظرها شعوبًا ودولًا، والمساهمة بعملية إعادة البناء بما يمهّد الطريق للتسوية النهائية المرجوّة، بحجم صبر أهلنا في قطاع غزة والضفة الغربية، وتضحياتهم التي طالت لأكثرِ من عقودٍ سبعٍ.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-04-2024 04:59 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |