11-05-2024 07:58 PM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
كثيرةٌ هي الخطابات التي نسمعها تقريبًا بشكل يومي، على اختلاف أنواعها، سواء كانت دينية، اجتماعية، ثقافية، اقتصادية، سياسية، أو غيرها، وكثيرًا ما تكون هذه الخطابات مشحونةً بجرعةٍ عاطفيةٍ عالية، أو خياليةٍ لا يمكن تطبيقها على الأرض، أو حتى دعائيةً لأغراضٍ انتخابية.
تقوم فكرة الخطابات على تحقيق غرضٍ للمرسل، يريده أو يحتاجه من المتلقّي، هذا الغرض الذي يمكن أن يكون شخصيًا، أو عامًا، أو شخصيًا يتّكئ على مصلحة عامّة، وكثيرًا ما يعتقد مرسل الخطاب أنّ المتلّقي أو جمهور المتلقين المستهدَفين يمكن تضليلهم أو خداعهم، خاصةً إذا كان المرسل من أصحاب البلاغة، والكلام المنمّق، فلدى بعضهم قدرةٌ عاليةٌ على التضليل وتدوير زوايا الأكاذيب لتظهر وكأنّها حقيقة مؤكّدة، لكن ما يخفى على هؤلاء المرسلين، أنّ بعض المتلقّين يعيدون البحث، وربما يكشفون الحقائق للناس ولو بعد حين.
ما يحتاجه المتلقي إذن هو خطابٌ آمن، والخطاب الآمن هو ذلك الخطاب الذي يقوم على الثقة بالمرسل أولًا، وعلى الوضوح والمصداقية في المواضيع التي يتحدّث فيها المرسل للمتلقّي أو جمهور المتلقّين المستهدفين، فمثلًا الخطابات الملكية في الدول الملكية في معظمها خطاباتٌ آمنة، بينما في الدول الجمهورية تتراجع نسبة الخطابات الآمنة لغاياتٍ انتخابية، أمّا الأنظمة الدكتاتورية فخطاباتها ليست آمنةً بالمطلق، لأنّها تقوم على فكرة الاستبداد والرضوخ والتصديق جبرًا.
يقودنا هذا إلى نتيجةٍ واحدة، أنّه كلما كان الخطاب آمنًا، كلما زادت الثقة بين المرسل والمتلقّي أو جمهور المتلقّين، وزادت أيضًا الثقة بالمؤسسة التي ينتسب إليها المرسل، فضعف الثقة بالبرلمانات سببه انقطاع صلة الوصل بين النائب وناخبيه لعدم وجود خطابٍ آمنٍ بينهما، وانحدار مستوى الكثير من النقابات والجمعيات العامّة يعود إلى ذات السبب، وإلى أسباب أخرى مثل تغليب تقديم الخدمات الشخصية للأغراض الانتخابية على مصلحة المؤسسة أو النقابة أو الجمعية، أو زيادة عدد المنتسبين لذات الأغراض الانتخابية، الأمر الذي أدى إلى عزوف الكثير من المخلصين من أفراد هذه المؤسسات عن مؤسساتهم لشعورهم بعدم جدوى محاولات الإصلاح، ولعدم تصديقهم للخطابات الانتخابية والوعود غير الصادقة في العادة بالإصلاح وتغيير الحال إلى أفضل.
إنّ إعادة بناء الثقة بين المرسل والمتلقّي أو جمهور المتلقّين المستهدفين لن يستندَ إلّا إلى خطابٍ آمنٍ تحتاجه الأمّة في هذا الوقت أكثر من أي وقتٍ مضى، لإعادة بناء المؤسسات على قواعد صلبةٍ جليّة، بعيدًا عن مصالح انتخابية أو شخصية ضيّقة، فالعامُّ أولى على الخاص، والمؤسسات أبقى من الأفراد، وبغير خطابٍ آمنٍ سنظل نراوح مكاننا، أو ستظل المؤسسات في حالة تدهور مستمر.
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين