12-05-2024 05:58 PM
بقلم : سيف منور
يعد النهج الماركسي بشقيه الاجتماعي السياسي المتمثل بالشيوعية وشقه الاقتصادي المتمثل بالاشتراكية اقرب الى المثالية من خصمه الازلي الرأسمالي الليبرالي ، فما استلهمه " لينين " من هذا النهج في ثورته البلشفية في وجه القياصرة الروس مطلع القرن الفائت هو مثالية افكار ماركس في تأسيس دولة متكاملة الاركان لا يظلم فيها احد ، وهذا على عكس واقعية النهج الليبرالي الرأسمالي المتمثل في اعطاء كل ذي حق حقه دون اية عواطف ، وهذا ما يستدعي الباحث للتفكير في كيفية فشل الشيوعية مع انها الاقرب للكمال والاكثر تعاطفا مع الطبقات الفقيرة ذات الاغلبية العظمى في اغلب دول العالم .
في الحقيقة هنالك العديد من الاسباب التي تؤدي الى فشل اية نظرية مثالية حول العالم ، سواءا كانت في السياسة او الاقتصاد او غيرها ، ولكن ربما كان من اسباب فشل الفكر الماركسي على وجه الخصوص في اي دولة اتعبته منهجا لها ، او فشله كفكر عام هو معاداته العلنية للدين والعقائد ، وهذا ما شكل صدمة لاتباعه عند اعتناق هذا الفكر ، فشعار" لا اله والحياة مادة " كان احد ابرز معوقات انتشار الشيوعية او الفكر الماركسي ، ومع انه قد جاء تبعا للعلمانية التي نشأت في اوروبا قبل نشوء الماركسية بفترة ليست بعيدة ، الا ان فصل الدين عن الدولة كان ذا فائدة عامة على الدول الاوروبية وبالاخص فرنسا التي ارهقتها الحروب الدينية .
ان التطرف الشديد الذي اشتمله النهج الماركسي في مناصبته العداء للدين ادى لضعفه ، وهذا على نقيض الفكر الرأسمالي الليبرالي الذي لم يتطرق للدين ، حيث انه لم يعاديه ولم ينطلق منه ، مع اعتناقه نفس المبدأ تقريبا ولكن بشكل ليس علني ، الامر الذي اعطاه افضلية في ان تتقلده اغلب الدول التي تعترف بالدين كاساس للحكم منفصل عن السياسة ، مثل بعض الدول العربية الاسلامية والتي اخذت من الماركسية الينينية الفكر الاشتراكي كمرشد لها سوريا مثال ، اما ما نراه في الولايات المتحدة الامريكية المتربعة على رأس الهرم في النظام السياسي الدولي الحديث ومع انها عرابة الرأسمالية في العالم الا ان شعارها ما زال " IN GOD WE TRUST " ، وذلك لان هذا الشعار يرضي ملايين المواطنين الامريكيين المعتنقين للدين ، على عكس الصين التي لم تحظى بمكانة الولايات المتحدة رغم اقتصادها العظيم وذلك لانها دولة لا دينية ، فالدين يبقى من اهم ركائز اي دولة مهما تطورت وازداد نفوذها ، فهو ما يجعل الدولة متوازنة لانها ذات مرجعية الاهية ، والذي يعبر عن الاخلاق الرفيعة والمبادئ النبيلة للدولة بدوره .
قد يعتبر الدين في الاونة الاخيرة واحدا من اقل العوامل المؤثرة في السياسة في نظر اغلب المفكرين ، ولكنه باعتقادي سيبقى اهم عامل في اي شأن سياسي ، وذلك لان اغلب الحروب المستعرة في العالم اليوم اصلها في الحقيقة ديني ، فالدين منذ الازل سبب في عداء اي طرف لطرف اخر ، حتى وان كانوا من اتباع نفس الديانة ، لانه يعتبر الطريق الامثل لاكتساب السلطة وفرضها على الاخرين ، منذ ان ادعى فرعون الوهيته في مصر القديمة ، الى ان اصبح اقرب الناس نسبا للانبياء والرسل هم الاقرب لله وبالتالي الاقرب للحكم ، وهكذا نجح الدين في فرض هيمنته على كل مناحي الدول والافراد .
على الدولة ان تحترم الديانات وحتى وان لم تعتنقها ، وتترك للفرد حرية اعتناق معتقداته بشرط ان لا يسيء الى معتقدات الاخرين ، فكل من ناصب الدين العداء ذهب الى حتفه و انتهى بالزوال والفشل ، ولنا في ذلك العبر الكثيرة منذ اقدم العصور ، وهذا لا يعني ان تصبح الدولة دينية بشكل كامل ، لاننا رأينا الفشل ايضا في مثل هذه التجارب ، فالمحايدة هي السبيل الانجى مع الدين في اي نظام سياسي ، ولا عزاء للفكر اليساري الذي مات قبل ان يحيى .
سيف منور
باحث سياسي وقانوني
saifmenwer0@gmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-05-2024 05:58 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |