13-05-2024 12:41 PM
بقلم : السفير قيس شقير
ليست قمة البحرين المقررة يوم الخميس القادم، كسابقاتها من القمم؛ فهي أول قمة تستضيفها مملكة البحرين الشقيقة في عاصمتها المنامة. وكما يبدو من الشعار الذي أطلقته الأمانة العامة لجامعة الدول العربية عليها قبل أيام من كلمتين: " قمة البحرين"؛ فإن أجندتها ستعالج بلا ريبٍ، ملفاتٍ تعكس الظرف الاستثنائي الذي تمرّ به القضية الفلسطينية؛ قضية العرب الأولى بقدسها الشريف، وأقصاها المبارك، وكنيسة القيامة ( القبر المقدّس) وقضايا أخرى تتناول استقرار الإقليم وأمنه، وأمن التجارة العالمية وممرّاتها البحرية، والتي تأثرت جميعها نتيجةً لتداعيات ما بعد السابع من أكتوبر، والحرب التي لا سابق لها في التاريخ الحديث تقتيلًا للمدنيين الأبرياء أطفالًا ونساءً وشيوخًا في عدوانٍ تبدو أهدافه السياسية غير المعلنةٍ البقاء في السلطة على حساب اعتباراتٍ أخرى أبسطها البعد الإنساني لهذه الحرب الغاشمة.
وعليه، فإن القادة العرب الذين يستضيفهم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، سيتصدّون لأجندةٍ تتناول الجهد الدبلوماسي العربي المشترك لوقف الحرب أولًا، وإغاثة الملهوفين في قطاع غزة، ثمّ استشراف أفقٍ سياسيٍ عمليٍ قابلٍ للتحقيق للخروج من دائرة الفعل وردّة الفعل، والتي يدفع ثمنها أبرياء غزة ومدنيوها.
ولعلّ ما يدفع بهذا الجهد السياسي العربي المشترك المعطيات السياسية الراهنة، والتي جعلت من إسرائيل دولةً متهمةً رسميًا بالإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، فيما تبدّلت توجّهات الرأي العام الدولي نحوها، ولا سيّما في الولايات المتحدة الداعم تقليديًا لها، ومواقف الاتحاد الأوروبي المعني تاريخيًا بأمن المنطقة، واستقرارها، بل وازدهارها، سيّما وأن الجوار الأورورمتوسطي كان هدفًا إستراتيجيًا لواضعي برامج التعاون لجوارٍ مستقر آمنٍ ومزدهرٍ اقتصاديًا.
وقد تستدعي المعطيات السياسية تلك، توجّهًا متكاملًا سياسيًا وأمنيّا واقتصاديًا يخرج عن القمّة يُعيد ترتيب الأوراق التي تبعثرت، ويدعم ركائز تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، فحلُّ الدولتين، وإن كان بنظر كثيرين بات غير قابلٍ للتطبيق، فإن الإرادة الصادقة لدفع مسار السلام قدمًا، ستأتي بأفكارٍ ومبادراتٍ تبني على المعطيات الجديدة على الأرض، ومنها أن القضية الفلسطينية كانت، وما تزال مفتاح تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والإقليم، ومن ثمَّ العالم، وأن إسرائيل اليوم ليست إسرائيل الأمس، فالانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية من جهة، والتباين الواسع ما بين المؤسسة العسكرية والقيادة السياسية أمران غير مسبوقين في تاريخها، والنصر الذي تسعى إليه بقتلها المدنيين العزّل لا يبدو ممكنًا من وجهة نظرٍ عسكريةٍ لقادة إسرائيليين، وانقلب مسعى النصر على سياستها من التأييد الغربي المطلق، إلى الانتقاد والرفض، بما قادها الى عزلةٍ سياسيةٍ دوليةٍ، قد تتعزّز بمرور الوقت، وهو ما يستدعي أن يتقدّم من يُنزل قادة إسرائيل من على الشجرة، وقد يستعصي ذلك على أصدقاء إسرائيل وحلفائها بالنظر إلى سياسة التحدي التي يواجه بها رئيس الوزراء الإسرائيلي الإدارة الأمريكية على وجه التحديد، ومساعيها لإنهاء الحرب في غزة. فلا مفرّ حينها، من الدفع نحو التوصل إلى صفقةٍ مقبولةٍ من الطرفين. وإن البناء على جهود الوساطة العربية قد يكون السبيل المجدية لوقف إراقة الدماء، ورسم خطوط مستقبلٍ آمنٍ مسقرٍ لقطاع غزة والضفة الغربية معًا، ينتظره أبناؤهما بشوقٍ ولهفةٍ.
وما تصويت مئةٍ وثلاثةٍ وأربعين دولةّ في الأمم المتحدة للتوصية لمجلس الأمن الدولي للاعتراف بفلسطين دولةً كاملة العضوية إلا مؤشرًا على العزلة تلك، والتي حدت بمندوبها في الأمم المتحدة أن يمزّق على ملء الأشهاد ميثاق المنظمة الدولية، والتي لم يسبق لإسرائيل أن احترمت شرعيتها أو انصاعت لقراراتها.
إن مساق الاعتراف بالدولة الفلسطينية كاملة العضوية هو ملف آخر قد يحرٍّك آليات التنسيق السياسي العربي المشترك بما يحقق انجازًا لقمة البحرين والتي يتلو موعد عقدها يوم الخامس عشر من أيار؛ ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، ما يُلقي زخمًا معنويًا مضاعفًا على اجتماع القادة العرب، تحقيقًا لما يصبو إليه المواطن العربي من الخليج إلى المحيط من وحدة الأهداف والمصير.
وختامًا فإن عالمًا يتجّه نحو التكتّل الإقليمي، كمجموعة بريكس وغيرها، لن يدع مجالًا للدول لتعمل فُرادى، أو بإطارٍ سياسيٍ وحسب. وقد تُشكّل قمة البحرين رافعةً للتعاون العربي تستثمر بالمشترك الاقتصادي القائم على المنفعة البينية المتبادلة، بما يقوّي أواصر العلاقات سياسيًا وثقافيًا وفي المجالات كافة، وبما يُسهم بمدّ الجسور مع كتلٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ وازنةٍ إقليميًا ودوليًا.
وتدفع المتغيرات السياسية على الساحتين الإقليمية والدولية إلى التفاؤل الحذر، وهو ما لا يتناقض مع الموضوعية في تناول تداعيات الحرب الإسرائيلية الظالمة على قطاع غزة، والحرب الشاملة منذ عقودٍ على الشعب الفلسطيني، والتي تستهدف طموحاته المشروعة للتحرّر والاستقلال.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-05-2024 12:41 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |