15-05-2024 12:12 PM
سرايا - لملم أبناء وأحفاد فاطمة حسين إغريّب ملابسها وحاجياتها الخاصة وكرسيها المتحرك في سيارة وانطلقوا بها من مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة التي كانت تنزح فيها، إلى مدينة دير البلح، وسط القطاع، بعد تهديدات الاحتلال باجتياح رفح.
كانت فاطمة (87 عاما)، والتي شهدت نكبة شعب فلسطين سنة 1948 بهروبها من قريتها "برير" [21 كم شمال شرق غزة]، قد نزحت وأبنائها وأحفادها، من بيتها في مخيم جباليا شمال غزة في أكتوبر الماضي إلى مدينة رفح ثم نزحت أمس إلى دير البلح.
تقول فاطمة الملقبة بـ "أم سعدات" ، إن هناك صورا متشابهة بين نكبة 48 والعدوان الحالي، ففي برير أعدموا فلاحين وقصفوا بيوتا وقتلوا عائلات واليوم يقصفوا بيوتا ويقتلوا عائلات لكن بشكل أكبر وأخطر.
في برير قتلوا أولاد بلدنا وجيراننا من عائلات جاد الله والعُطل والعالول وعوكل، واليوم أعدموا زوج بنتي وابيه وقتلوا جيراننا عائلات في بيوتهم."
وعلمت فاطمة أن جنود الاحتلال أعدموا صهرها محمد رضوان (65 عاما) ووالده رزق رضوان (90 عاما) رميا بالرصاص في حي القصاصيب في مخيم جباليا شمال غزة. فيما استشهد العشرات من جيرانها عائلات "سالم" و"مصطفى" و"أبو القمصان" في غارات جوية متفرقة.
وأشارت أم سعدات إلى أنها هربت من برير إلى قرية بيت طيما ثم واصلت المسير مع أهلها إلى مدينة المجدل ثم دير البلح وتم قصف الأسواق كما يجري اليوم.
"هربنا للمجدل فقصفوا السوق هناك واستشهد الكثير، ثم هربنا لدير البلح فقصفوا السوق واستشهد الكثير وكذلك اليوم قصفوا سوق مخيم النصيرات وسوق مخيم جباليا لكن اليوم الأعداد أكبر"، قالت فاطمة.
وهاجمت عصابات صهيونية مسلحة القرى والمدن الفلسطينية عام 1948 وسحقت عائلات ودمرت زهاء 500 قرية فلسطينية وهجرت نحو 3 أرباع الشعب الفلسطيني واحتلت فلسطين وأقاموا عليها ما يُعرف اليوم بـ "إسرائيل"، فيما بات يعرف بنكبة الشعب الفلسطيني.
ويحيي الفلسطينيون كل عام في مختلف أرجاء العالم ذكرى "النكبة" في مراسم رسمية وشعبية.
وتذكر أم سعدات يوم أن هربت من قريتها "برير" فقالت، إنها هربت حافية القدمين تحت القصف ولم تحمل معها شيئا سوى ابن أخيها.
رمت فاطمة ثوبها المطرز القديم وارتدت الجديد وحملت الطفل يوسف ابن أخيها محمود على ظهرها وهربت مع الناس، "كانت الشوارع غبار وعتمة لم أر جيدا".
"في 48 حملت ابن أخي واليوم حملني ابني وأحفادي، وفي 48 هربت مشيا واليوم هربت بالباص ولم أحمل سوى بضع ملابس،" قالت فاطمة التي أنجبت دستة من البنين والبنات.
ومن أوجه الشبه هو تعدد الهروب بحثا عن مكان آمن، فعند هروبها من برير هربت إلى قرية بيت طيما ثم إلى مدينة المجدل، شمال غزة، ثم جنوبا إلى دير البلح. أما اليوم فانتقلت من جباليا إلى رفح ثم انتقلت إلى دير البلح.
وقالت أم سعدات أرملة محمد جمعة أبو سالم، إن قصف اليوم أقوى بكثير من القصف في نكبة 48 ويوقع ضحايا أكثر بكثير.
"كان الشهداء عددهم أقل والعائلات التي قتلت تبقى منها نصفها أو ربعها أما هذه المرة عائلات تباد بالكامل من 30 و 40 فرد أبناء وأحفاد."
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي قتلت إسرائيل ما يزيد عن 35 ألفا من المواطنين، وفقا لوزارة الصحة، بينهم مئات العائلات التي أبيدت بالكامل، آخرهم عائلة سليمان سالم أبو شريعة الذين أبيدوا جميعا في قصف استهدف بيتهم في حي الصبرة بمدينة غزة قبل ستة أيام، كما أعلن أحد أقاربهم "نضال أبو شريعة" على حسابه على "فيسبوك".
ومن أوجه الشبه قالت أم سعدات، إن العطش والجوع أبرز سمة لكن هذه الحرب أقسى، ففي عام 1948 كان المواطنون خلال نزوحهم يأكلون مما يحملون من "زوادة" أو من الحقول التي يصادفونها وهم يسيرون بمحاذاة شاطئ البحر.
"كنا نمر بأراض زراعية سيما المواصي [أراض زراعية قرب شاطئ البحر جنوب غزة] ونأكل منها أو نطلب ممن نصادفهم".
أما اليوم فالجوع ضرب قطاع غزة خاصة الشق الشمالي، ويعتمد السكان في طعامهم على مساعدات من منظمات عمل انساني محلية ودولية وبعض البضائع التجارية القليلة فقط.
وأكدت فاطمة أنها شهدت عدة حروب لكنها لم تر جوعا بين المواطنين مثل الذي يجري الآن في غزة.
وأغلقت قوات الاحتلال معابر قطاع غزة ومنعت دخول البضائع والماء والكهرباء والوقود، لكن بعد ضغوط دولية فتحت معبر كرم أبو سالم التجاري ومعبر رفح جزئيا لمرور بعض المساعدات والبضائع التجارية بقوة تشغيلية تساوي في أحسن الأحوال عُشر ما يحتاجه قطاع غزة، وفقا لمختصين.
وشهدت أم سعدات العدوان الثلاثي على مصر وغزة وشمال سيناء 1956 وحرب حزيران 1967 وأكثر من اعتداء على قطاع غزة لكنها لم تر وحشية كالذي يجري الآن في غزة.
"في العدوان الثلاثي أعدموا مواطنين في الشوارع وفي 67 احتلوا قطاع غزة وأيضا جعنا لكن ليس بهذا المستوى ولم يكن هناك نزوح متكرر"، كما قالت.
وحول النزوح قالت إنه من أكثر الأمور التي تشغل بالها هي وأولادها وأحفادها. "بهدلة ومخاسر".
أما من أبرز أوجه الخلاف فقالت إنها في نكبة 48 فقدت بيتا وأراض زراعية شاسعة أبرزها قطعة أرض تُعرف باسم "الحمرا" لشدة خصوبتها، لكن في عدوان 7 أكتوبر لم تفقد أرضا لأن كل أراض العائلة في برير.
وفي 1948 هربت مع والديها واخوتها وأخواتها لكن هذه المرة هربت مع أبنائها وأحفادها. كذلك لم يقطع الاحتلال الكهرباء لأنه لم يكن لدى القرية كهرباء.
وكانت فاطمة تنتظر عودتها إلى قرية برير التي هجرتها عنوة لكنها تنتظر الآن العودة لبيتها في مخيم جباليا شمال غزة، كما قالت.
ووفقًا لتقديرات الأونروا، فإن ما يقارب من 450,000 شخص قد نزحوا قسرًا من رفح منذ 6 أيار/ مايو الجاري.