16-05-2024 09:10 AM
بقلم : الدكتور هيثم الربابعة
قد يبدو الحديث عن "زوال إسرائيل" مبالغاً فيه وغير مستند إلى تحليل منطقي، ولكن عند قراءة الوضع الداخلي لهذا الكيان الصهيوني واستناداً إلى الإعترافات التي تصدر من منظومته السياسية والفكرية والعسكرية، يظهر التشكيك في مستقبل "إسرائيل" ويعزز مصداقية نبوءة إندثارها.
وكانت حادثة هروب الإسرائيليين خلال عملية طوفان الأقصى إشارة واضحة إلى ذلك، إذ جرى تداول مقاطع فيديو على وسائل التواصل الإجتماعي تظهر هروبهم من دون النظر إلى الوراء، ما يشير إلى عدم إرتباطهم بالأرض وإعترافهم بأنهم محتلون لأرض غيرهم وزائلون.
أعادت الحرب الإسرائيلية على غزة، الحديث مجددا عن نبوءة زوال إسرائيل، التي ذكرتها التوراة، وطرحت النقاش حول الظروف الموضوعية والزمانية، التي تشكل حاضنة لنقل النبوءة من القول إلى الواقع؛ فهناك حدثان يشكلان في حال إجتماعهما، بداية النهاية، الأول: الصراعات الداخلية. والثاني: "لعنة الثمانين".
تقول الرواية التوراتية، إن الإنهيارات التي شهدتها الممالك الإسرائيلية الغابرة، كانت أسبابها المباشرة داخلية، بين حكام إسرائيل أنفسهم، وليست نتيجة غزو خارجي، وتذكر أنه لم يعمر لإسرائيل في التاريخ إلا مملكة داود وسليمان، والمملكة الحشمونية، والمملكتان إنهارتا في العقد الثامن.
وهو ما يُترجم اليوم، في الأزمة العقائدية بين رجال السياسة ورجال الدين، والإنقسام السياسي الدائم والآخذ في التعمق بين أحزاب اليمين واليسار، والخلافات الحادة بين المتدين والعلماني، وبين اليهودي والصهيوني، وبين المتطرف والساعي إلى السلام. هذا كله يجتمع وإسرائيل في منتصف العقد الثامن من عمرها.
في مقال لرئيس الوزراء السابق "إيهود باراك" في صحيفة "يديعوت أحرنوت" بمناسبة الذكرى الـ74 لتأسيس إسرائيل، أكد أنه في تاريخ الشعب اليهودي لم تستمر دولة يهودية لأكثر من 80 عاماً إلا في فترتين، وكان في كلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن، وتنتهي الدولة الصهيونية الحالية في العقد الثامن.
وأعلن نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في عام 2017 أنه يجب العمل على ضمان إستمرارية إسرائيل لمدة 100 عام، وأشار إلى أنه لم يحدث في التاريخ أن إستمرت دولة يهودية لأكثر من 80 عاماً.
وصرح وزير الحرب الإسرائيلي الحالي، بيني غانتس، بأن هناك مخاوف من سيطرة الفلسطينيين على إسرائيل في المستقبل، وتوقع أن تتقلص الدولة الإسرائيلية بين مستوطنتي غديرا والخضيرة.
أيضاً، هناك قلق مشابه من صحفيين ومفكرين صهاينة بشأن مستقبل إسرائيل. يشير الجنرال المتقاعد شاؤول أرئيلي، المستشرق والمختص في الصراع العربي الإسرائيلي، إلى فشل الحركة الصهيونية في تحقيق حلم إقامة دولة إسرائيلية ديمقراطية بأغلبية يهودية. يعتبر أرئيلي أن الصراعات الداخلية والتوترات الثقافية والهوياتية تهدد إستمرارية الدولة العبرية.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد المحلل الإسرائيلي آري شافيط أن إسرائيل تواجه نقطة لا عودة وأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة. يرى أن الإسرائيليين يدركون أنهم أصبحوا ضحية لكذبة صهيونية ويشير إلى وجود عملية تدمير ذاتي ومرض سرطاني في إسرائيل يصل إلى مراحله النهائية.
وعلى الرغم من أن بعض الأشخاص يرون نبوءة الزوال كاستراتيجية خبيثة لجذب التعاطف نحو اليهود وتأمين الدعم الدولي المستمر لإسرائيل، فإن هذه المواقف الصهيونية الداخلية لا يمكن أن تكون متكررة بهذا الشكل لولا الاعتقاد الحقيقي في خطورة الزوال، فلا يكون من الطبيعي أن نسمع من قادة دولة مستبدة بصورة واضحة يتحدثون عن إحتمالية اندثارها.
إن هؤلاء الصهاينة لا يتحدثون عن الخطر الخارجي الذي يتمثل في زيادة قوة المقاومة في المنطقة وسقوط المئات من الصواريخ من غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن أو غيرها، ما يدفع الصهاينة إلى الهجرة ويترك الجيش الإسرائيلي منهاراً من دون دعم شعبي، فيتحول إلى مجموعات منفصلة يسهل استهدافها.
تنمو قوة المقاومة الفلسطينية، وتزداد إعتمادية الناس عليها كمصدر للإلهام والقدوة، وتظهر في غزة جرأة كبيرة وقدرة على المبادرة، وظهرت هذه القدرة في المعركة الأخيرة "طوفان الأقصى"، إذ ظهرت في تحدٍّ واضح لإسرائيل. المقاومة لديها أيضاً قوة ردع، وأصبحت إسرائيل عاجزة عن تنفيذ سياسة الاغتيالات أو تقليص قوتها من خلال المعارك، تشكل غزة تهديداً في كل حدث مهم، مثل اقتحام الأقصى أو ذبح القرابين أو اجتياح مخيم جنين.
قد تبدو إسرائيل متماسكة، في الشكل، وهي تحاول منذ احتلت فلسطين، أن تبرهن بأن القوة هي التي تصنع التاريخ وتوجه مساره كيفما تشاء، لكن في المضمون، لم يجعلها القتل والتهجير والمجازر المهولة التي إرتكبتها في عام النكبة، ولا الإعتداءات على الدول العربية، ولا التطهير العرقي الذي ترتكبه اليوم في غزة وترتكبه كل يوم في فلسطين، لم يجعلها كل ذلك دولة آمنة لشعبها، ضامنة لبقائها، مطمئنة لإستمراريتها، وكلما تقدم بها الزمن، شعرت بقرب زوالها، أكثر مما يفعل أعداؤها.
إنها دولة خارجة عن السياق الثقافي والحضاري للمنطقة، كيان هجين، جغرافيا محاطة بالجدران، كأنها تعيش داخل أكواريوم، معزولة، ليس لها جيران، مواطنوها محاطون برجال الأمن بلا أدنى شعور بالأمان.
يبقى هنا سؤال يفرض نفسه بقوة، في حالة تلاشت الدولة الصهيونية وإندثرت إلى غير رجعة، ماذا سيحل بحلفاءها و عملاءها وأذنابها؟
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي