حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,8 سبتمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 4343

وديت الك محرمة

وديت الك محرمة

وديت الك محرمة

01-06-2024 08:07 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : عبدالهادي راجي المجالي
أنا أعرف سعاد توفيق منذ طفولتي, مع أنها فنانة لم تشتهر كثيرا.. إلا أن أبي كان لديه (كاسيت) قديم لها.. وكلما عدنا من عمان للكرك يضع أغنيتها, ولكثرة ما كان يرددها ما زلت للان أحفظها:

وديت الك محرمة لوحي بها لوحي مكتوب ع المحرمة جنة قلبي وروحي

وديت الك محرمة ما حدا عارفها نادي مأذون البلد تا..يقرا حرفها

وديت الك محرمة من بلاد بعيدة بكرة يلتم الشمل والزمان يعود

وديت الك محرمة فيها ذبلة وخاتم البسيها بالفرح ع الإصبع الناعم

أنا ما زلت أحفظ هذه الأغنية, وكلما عدت للكرك في أول (الموجب) حيث المكان الذي كان فيها أبي, يدير قرص (المسجل) في السيارة... أكرر ذات السلوك, وأجعل سعاد توفيق تصدح بذات الأغنية.. أنا لا أبحث وقتها عن الطرب لنفسي ولكني أحب هذا الوداي.. هو يشرح طريقي في الحياة, طريقي بذات التضاريس وعرة وصعبة... ولكن اللحن يخفف من وطأة الخوف ومن تعرج الطريق وخطورته, كأن الجنوب لا تصله إلا عبر المشي على دروب من القلق.. أحس لحظتها بأن الجبال تطرب معي والسد هو الاخر يرقص, وشجيرات السرو تهتز.

قبل أسبوع كان معي ولدي, وفي ذات المكان طلبت منه أن يختار أغنية كي يسمعني اياها في السيارة, ونحن على أول الموجب... وضع لي أغنية اسمها: (اختياراتي مدمرة حياتي).. لم أعرف وقتها هل أضحك أم ألطم.. لا أعرف لماذا كنت استنساخا مطابقا لأبي في الذائقة والحب والتمرد.. ولا أعرف لماذا أولادنا اختلفوا عنا.. الأصل أن تكون الأغاني تحتوي على ألحان وكلمات تليق بالروح تليق باللغة.. وتليق بالأذن.. ولكن (اختياراتي مدمرة حياتي).. هل وصلت الذائقة العربية لهذا المستوى من «الإنحطاط"؟

من يعللون السبب بأن إيقاع الحياة تغير, وبأن الجيل الجديد هو جيل السوشيال ميديا وبأن مواكبة التطور تقتضي القبول بهذا الأمر... هم ذاتهم من يبررون الإنحطاط.. هم ذاتهم من يريدون لنا أن نتعاطى مع (اختياراتي مدمرة حياتي) بأنها نهج حياة وليست أغنية.. هم ذاتهم من يريدون للجيل الحالي بأن يشعر بأنه (مفصوم عن الواقع)...

أنا أحببت الأردن... لأنه وطن القيم والمبادئ، لأني كنت أشعر في اللحظة التي تنزل فيها السيارة للوادي... كنت أشعر أن الجبل يحتضن روحي, كنت أشعر أيضا بأن اللحن لا يداعب أذني بقدر ما يداعب الصخور التي استلقت بجانب الطريق... وكنت أشعر أن الأغاني في زمننا كانت عبارة عن محلول يضخ في الوريد كي يعلمنا الحب والوفاء.. وكي يعلمنا بأن عيون النساء فيها خارطة العمر تكتمل حدودها..

حين وضع ابني الأغنية, خجلت من وادي الموجب من الجبل ومن السد ومن شجيرات السرو.. شعرت بها تعاتبني.. هي لم تختر أن تكون في الجنوب, والطريق لا تغير مسارها أبدا.. والماء في الموجب سيبقى يتجه نحو الغرب نحو فلسطين.. والهوى سيبقى كركيا في الهوية.. من قال أن اختياراتنا تدمر حياتنا؟.. أنا لو عادوا بي طفلا في رحم أمي وخيروني بين كل بقاع الأرض لن أختار غير الأردن مسقط رأس ومستقر أخير لجسدي.... اختياراتنا لم تدمر حياتنا أبدا هي بنت لنا الحياة وجعلتنا نفهم معنى الحب..

وسأبقى أغني كلما ضاقت بي البلاد.. سأبقى أغني: (وديت الك محرمة لوحي بها لوحي).., حتما إن لم تتسع بنا الأرض على هذا اللحن....حتما سيتسع القلب.
Abdelhadi18@yahoo.com


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 4343
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
01-06-2024 08:07 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم