01-06-2024 08:14 AM
بقلم : سارة طالب السهيل
في إحدى القصص المتكررة، ومنها ما وقع بإحدى قرى الصعيد بوهب أحد أعيان القرية ثروته لأبنائه الذكور وحرم بناته منها، ليتحول البيت إلى جحيم لا يطاق بين ابنائه الذكور فترك الاب المنزل، والحت عليه بناته للإقامة معهن، لكنه رفض بشدة لشعوره بالذنب والحرج بعد حرمانهن من الميراث، ليستقر به المقام في دار المسنين.
وأحيانا يقوم الأب والأبناء الذكور بترضية الاناث بجزء من الميراث مقابل مبالغ مالية فيما يسمى بـ «رضوة» حتى لا يكون لأزواج البنات مكان في أراضي وعقارات الأب. وقد يجبر الأب بناته على التنازل أو البيع لحقوقهن على الورق كشرط لتزويجهم بمن يرغبن، حتى يقبل زوجها من البداية بأن زوجته خالية من الميراث، وقد يبرر الأب فعلته هذه بأن ذلك اختبار حقيقي لمن يرغب فى الزواج من بناته لذاتهن وليس طمعا في ميراثهن.
فتارة ضعف الإيمان يجعل أما الاخ الاكبر فقد يعتدي على أنصبة وحقوق أخواته البنات لجهله بالشرع ونتيجة الموروث الجاهلي وقولهم إنا وجدنا آباءنا وأجدادنا لا يورثون النساء، ولا شك ان سلب حقوق الميراث وعدم توزيعها وفق الانصبة الشرعية ينتج عنها تفتت المجتمع وقطع لصلة الأرحام واشتعال الفتن بين الاسرة الواحدة التي قد تصل إلى القتل والثأر.
ومن يتوقع ان بلدا حضاريا مثل لبنان لا يعاني من هذا الأمر مخطئ فما عانت منه الجدات سابقا يعاد ويتكرر من الخلافات بين الورثة على توزيع التركة ليس فقط حرمان المرأة من حقوقها فقط بل وأخذها بالكلمة الحلوة والتخجيل كي تتنازل لأخوتها الذكور
أما في العراق فيحدث هذا اضافة على تشابك الارث بين الاولاد والأحفاد وأولاد الاحفاد المشتركين في ارث واحد لتبقى قيد المحاكم سنوات طويلة دون حلول وذلك بسبب عدم اتفاق الأطراف كلها على التقسيم أو البيع أو كيفية التصرف بالأموال ناهيك عن المهاجرين الغير عابئين والذين بغيابهم لا يستطيع باقي الورثة التصرف بالتركة مثل البيع أو استثمار الأموال بالعمل.
وفي الأردن عادة يتم اعطاء بيت الأهل للولد وفي حالة طلاق البنت المتزوجة تواجه مشاكل في السكن خاصة إذا كان معها أطفال وفي حالة عدم توفير الزوج سكن للام الحاضنة فتضطر الاخت للعيش مع زوجة اخيها و تتلقى حظها اما ان تكون طيبة او شريرة
فالأجدر تأمين بيت او مصدر مال للبنت قبل الولد وذلك حفاظا على كرامتها و صونا لها من كل مكروه.
أما في سوريا فيختلف الأمر بين المدينة والريف فالمرأة في المدينة غالبا تأخذ حقها ولكن في الأرياف والأراضي الزراعية يدفعون النساء إلى التنازل عنها سواء ترغيبا أو ترهيبا. حيث أنهم يتشابهون مع باقي دول المنطقة العربية خاصة العراق ومصر بأن الأرض الزراعية يجب ان تمتدّ من جيلٍ إلى جيل بنفس العائلة ولا تخرج عنهم أبدا ومن هنا ظهرت فكرت تزويج البنات من اولاد عمها.
فمشاكل الإرث ليست محصورة فقط في مشاكل إرث الإناث، وإنما بمشاكل لا حصر لها بين الإخوة الذكور فيما بينهم بعيدا عن البنات وكل هذا لأنه من البداية البيت لم يكن قائم على الحب والتعاضد والتكافل بين الإخوة في منذ الصغر، ولم يتعلموا أن الإنسان قيمة لا تعوض، وأن الدم أغلى من الذهب، وأن الإنسان هو من يصنع المال ولو ذهب المال نستطيع تعويضه، إنما الإخوة لا بديل لهم فالإنسان عندما يصرخ من الألم يقول آخ، وطالما كانت الأخت هي الأم الثانية لأخيها ولكن غابت المحبة والرحمة فغاب معها ميزان الأمور فأصبحت الناس توزن الأمور بقناطير الذهب وسبائك الفضة.
حتى هذا العالم الاستهلاكي المروج للسلع طوال الوقت جعل الناس أكثر مادية، وانتزعت العواطف من داخلهم رويدا رويدا في هذا العالم الرأسمالي الذي يقيم الاشخاص بأرصدتهم البنكية.
سوء التربية
المتهم الأول في هدم الاسرة وتحطيم روابطها وضياع حقوق الميراث هو سوء التربية والاخطاء التي يقع فيها الاباء في تربية ابنائهم، و أهمها التفرقة بين الأبناء بتفضيل أحدهم على الآخر أو تمييز الولد على البنت، وهنا تتشكل بذرة الكره الأولى التي يبذرها الوالدان أو أحدهما في نفوس أبنائهما، وهو ما حذر النبي صلى الله عليه وسلم–من التفرقة في المعاملة بين الابناء.
فبعض العوائل في بعض بلدان الخليج العربي على سبيل المثال وكما رصد خبراء مستشارون تربويون واجتماعيون، ينتشر تفضيل الولد عن البنت أو تفضيل الابن البكر، حتى لو مات الوالدان،يصبح الابن هو صاحب التصرف وصاحب السلطة، وهذه السلطة الموحشة للابن البكر قد اكتسبها من تدليل الابوين له منذ الصغر وعندما يكبر تعطي له الوكالة الشرعية عن الوالدين، وهو ما يساعده في التصرف بالميراث، ويعطيه الحق في حرمان إخوانه وأخواته من الحق الشرعي لهم، ولذلك تندلع الصراعات بين الاخوة التي تفضي بهم الي ساحات القضاء فور موت الوالدين بسبب الميراث.
لاشك ان غياب تطبيق الشريعة الاسلامية في الميراث والقوانين الملزمة بتنفيذها عبر التحايل واطماع النفس البشرية والاحتكام إلى الموروثات الجاهلية المتعصبة للذكر دون حق الأنثى أو الضعفاء اليتامى، قد أضر كثيرا بصورة العدالة في الشريعة الاسلامية، وأضر كثيرا بالسلام الاجتماعي والتماسك الأسري.
العدالة
وبينما نحن نعيش في عصر السموات المفتوحة ووسائط الميديا المختلفة، فلابد من استثمار هذه النوافذ ومنها مواقع التواصل الاجتماعي في تغذية الوازع الديني بالحقوق والواجبات وفي مقدمتها حقوق الميراث، ونشر الوعي داخل الاسرة بنظم التربية الصحيحة والصحية التي لا تفرق بين الأنثى والذكر في الحقوق والواجبات، وتدريس مادة المواريث في المدارس والجامعات حتى يتشكل وعي الأجيال بعلم الشرع الالهي في توزيع المواريث.
وتنظيم حملات توعوية مكثفة بالمساجد لمنع الآباء من منح الابن البكري تركة ابويه على حساب حقوق اخواته دون وجه حق، وشرح أهمية الاحتكام لشريعة الله وأحكامه في التوريث.
وتوظيف خطباء المساجد قدراتهم على الاقناع في توعية الأب والأم مهم في دعم الأخوات وترسيخ الحب والتسامح بينهم والتقريب بينهم وعدم التفرقة في المعاملة لخلق مناخ الود والإخاء بين الاشقاء، وبيان أثر التمييز بين الإخوة في المعاملة في خلق الكراهية والأنانية وحب الذات.
الراي